الأمانة من الصفات الجميلة التي تدل على رفعة صاحبها ورفعة أخلاقه، وهي من أخلاق المؤمنين، وسنحكي في قصة اليوم عن رجل يتصّف بالأمانة والإخلاص بالعمل، قام بالعمل مع رجل غني وأدّى عمله بكل إتقان وأمانة ولم يطالب بأكثر من حقّه، ولكنّه قام بفعل جميل نال عليه خير الجزاء من هذا الرجل.
قصة جزاء الأمانة:
في إحدى القرى البعيدة كان هنالك شاب يدعى فان يعمل في الدهّان، كان فان شديد الإخلاص والأمانة بعمله؛ حيث كان يعمل بجد واجتهاد، بالإضافة إلى أنّه بالرغم من أنّه فقير الحال إلّا أنّه لم يكن يطالب بالمال الكثير لقاء عمله، وفي يوم من الأيام جاءت له إحدى السيدات وقالت له: أنا أريد منك أن تدهن لي حائط منزلي ولكنّني لا أملك من المال سوى قطعتين من النحاس سأعطيهم لك لقاء عملك، قال لها: لا عليكِ يا سيدتي أنا أتفهّم ظرفكِ وأعدك بأن أقوم بعملي كما تريدين.
كان فان يقبل بأي أجر، ويقوم بعمله بكل جد وأمانه؛ فكان شديد الإتقان لعمله ويرضى بأي ثمن، وفي يوم من الأيام جاء أحد الرجال الأثرياء إلى القرية وكان معه موكب ضخم مليء بالأطعمة والملابس الفاخرة، فتوقّف أهل القرية جميعهم ينظرون إلى هذا الموكب الرائع، وكان هذا الرجل قد قرّر البقاء في القرية لبعض الأيام، وفي اليوم التالي قام هذا الرجل باستدعاء فان، وعندما نوى فان الذهاب قابله صديقه وقال له: يا فان هذا الرجل من الأغنياء عليك أن تغتنم الفرصة وتطالب بالكثير من المال.
لم يعجب فان بكلام صديقه أو يقتنع به وقال له: كلا يا صديقي أنا لن أطالب بأكثر من حقّي، سوف أخبره بالثمن الحقيقي وعندما يعجبه عملي يمكنه أن يزيدني، فسلّم على صديقه ومضى، وعندما وصل قصر هذا الرجل تفاجأ بضخامة حجمه وروعته، رحّب به الرجل وقال له: هل أنت فان الدهّان الماهر؟ رد عليه: نعم أنا هو يا سيدي، فقال له الرجل: أنا لدي قارب وصاحبه ذهب وسيغيب لعدّة أيّام وأريد منك أن تقوم بدهن القارب.
وافق فان على طلب الرجل وقال له: حسناً سأدهنه لك يا سيدي وأكمله مساء هذا اليوم، قال له الرجل: ولكنّك لم تخبرني كم تريد أجراً لقاء عملك هذا؟ قال له: أريد أربعة من القطع النحاسية فقط، وافق الرجل وقام بإعطائه النقود قبل أن يبدأ بعمله، ذهب فان لشراء عدة الدهان من السوق على الفور، وعندما عاد باشر عمله ولكنّه تفاجأ بوجود ثقب بنصف القارب.
فكّر فان ثم قال في نفسه: هذا الثقب خطير جدّاً علي أوّلاً ان أقوم بسدّه ثم أبدأ بعمل الدهان، بدأ فان بعمله وأمضى ساعات طويلة بالعمل ولكن من دون طعام أو شراب، في اليوم التالي قابل هذا الرجل فان وأعطاه أربع قطع فضية وشكره ووعده أن يطلبه لأي عمل آخر، فرح فان كثيراً وشكر الرجل على كرمه وانصرف، وفي اليوم التالي قرّرت أسرة الرجل الغني الذهاب في نزهة في القارب، وعندما ودّعهم وعاد وجد صاحب القارب قد وصل فقال له: لقد جئت مبكّراً لقد ذهبت أسرتي في رحلة في القارب.
عندما سمع صاحب القارب بذلك شعر بالذعر الشديد وقال للرجل: ولكن يا سيدي هنالك ثقب كبير في القارب وكنت أريد إصلاحه عندما أعود؛ لأنّه لم يتسنّى لي إصلاحه سوف تغرق أسرتك بالتأكيد في البحر، شعر الرجل بالخوف الشديد وأسرع إلى البحر بحثاً عن أسرته التي ظن أنّها قد غرقت لا محالة، ولكنّه لم يجد أي أحد فبقي جالساً ينتظر.
وفجأة جاءت أسرته بالقارب ولم يصيبهم أي مكروه، تفاجأ الرجل وسأل زوجته وأولاده: ألم يحدث لكم أي مكروه، فردت الزوجة: كلّا فنحن كنّا نجدف بالقارب وكان سليماً، تفاجأ صاحب القارب وقال: ولكن هنالك ثقب بنصف القارب كنت أريد إصلاحه وأنا متأكّد من وجوده.
فكّر الرجل قليلاً ثم أدرك أن فان هو من قام بإصلاحه فطلبه على الفور، وعندما جاء فان قام الرجل بإعطائه مائة قطعة ذهبية، تفاجأ فان بذلك وقال له: ولماذا كل هذا المال يا سيدي فأنا لم أقم إلّا بعملي؟ قال له الرجل: كلّا أنت قمت بإصلاح الثقب الموجود بالقارب وأنقذت عائلتي وأنا مدين لك بالكثير ومائة قطعة ذهبية ليست كثيراً مقابل الأرواح التي أنقذتها، فرح فان كثيراً ونال جزاء أمانته ولم يعد ينام جائعاً بعد ذلك.