قصة حبة من القمح كبيضة دجاجة

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المفكر الأخلاقي ليو تولستوي وهو من مواليد دولة روسيا من أهم الكُتاب الذي برزت أسمائهم في مجال الأدب الروسي، وكما يُعد من عمالقة الأدب على مستوى العالم في القرن التاسع عشر، ومن أبرز القصص التي قدمها هي حبة من القمح كبيضة الدجاج.

قصة حبة من القمح كبيضة دجاجة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول اللحظة التي كان فيها مجموعة من الصبية يلعبون مع بعضهم البعض، حيث في ذلك الوقت وجد أحد الصبية في الأرض على شيء غريب لم يعتادوا على مشاهدته من قبل، ولكنه كان فيه شبه من شكل حبة القمح، لكن الفارق كان في أنّ حجمه أكبر من حبة القمح، فقد كان يضاهي بيضة دجاجة، وعند إمساكهم بذلك الشيء مرّ بهم أحد الأشخاص الذين كانوا في طريق سفرهم إلى إحدى المدن.

وعندما شاهد ما بين أديهم حاول الاستخفاف بعقولهم ووصفه لهم أن شيء عادي ودفع لهم مقابل له جزء بسيط جداً من المال وأخذه مع في رحلته، وعند وصوله إلى المدينة قام بعرضه على الحاكم كأنه من أحد الأشياء التراثية العجيبة التي يكمن بها من أسرار الزمن القديم، وهنا دفع له الحاكم المال الكثير مقابل الحصول عليها، وبالفعل تمكن الحاكم من الحصول عليها.

وأول ما استملكها الحاكم قام باستدعاء مجموعة كبيرة من أهل العلم وأولي الحكمة، فقد أراد أن يبحثوا في السر الذي يكمن خلف ذلك الشيء، ومن هنا توجه العلماء والحكماء إلى مراجعهم في كتب التاريخ وأشغلوا عقولهم، ولكن ذلك الشيء لا يحتاج إلى كثير من الحيرة من وجهة نظرهم فقد كانوا يدركون أنها على شكل حبة قمح ولكنها كبيرة في الحجم، إلى أن جاء اليوم الذي كان يوضع به حبة القمح تلك على حافة الشباك، وإذ بدجاجة طارت نحو عتبة الشباك وأخذت تدفع به في منقارها إلى أن أحدثت به ثقباً من الطرف.

وفي ذلك اليوم تأكد الحكماء والعلماء أن ذلك الشيء ما هو في حقيقة سوى نوع من أنواع من القمح، وتوجهوا نحو قصر الحاكم وأخبروه بما توصلوا إليه، لكن لم يكن حديثهم يعجب الحاكم ويقتنع به، إذ هموا بإخباره عن ما فعلته الدجاجة وهذا الأمر زاد من حيرة الحاكم وحث عليهم من جديد البحث عن السر في كافة بقاع الأرض عن مثل هذا النوع من القمح ومتى كان الناس يقومون بزراعته، رجع العلماء والحكماء يقلبون في أذهانهم وكتبهم ومؤلفاتهم، ولكن دون جدوى إذ وصلوا إلى ما وصلوا إليه في المرة السابقة، ومن هنا توجه جماعة منهم إلى الحاكم وأخبروه أنه لم يتمكنوا من الوصول إلى أي معلومة حول ذلك الشيء، وقالوا أنّ ذلك الشيء لم تدركه عقولهم ولا تحتويه كتبهم.

واقترحوا عليه أن يتوجه إلى المزارعين والفلاحين في المنطقة وسؤالهم حول ذلك الشيء لعله يجد عندهم المعرفة أو معلومة عن ذلك الشيء، ومن هنا قرر الحاكم أن يرسل وفود من حاشيته في كافة أنحاء البلاد وأن ينتشروا في مختلف بقاع الأرض، فلم يلبثوا إلا قليلاً من الوقت وأحضروا إلى الحاكم رجل كبير في السن وظهره منحني، إذ كان يتكئ على دعامتين شاحب الوجه وعروقه بارزة، قدم له الحاكم حبة القمح بدأ يلتمسها بين يديه، وهنا أخذ الحاكم في سؤاله حول المكان الذي كانت تزرع به مثل ذلك القمح، فأجاب العجوز أنه لم يرى قط مثل ذلك النوع من القمح طوال حياته.

وهنا عزم الحاكم على استدعاء والد الرجل المسن وقد كان بالكاد يقوى على المشي أعطاه الحاكم حبة القمح قلبها بين يديه وراح يتمعن فيها النظر، وسأله الحاكم إذا كان قد رأى مثل هذا النوع من القمح، لكن الرجل العجوز أجاب أنه لم يشاهد مثلها على الإطلاق، ولكن القمح في أيامنه كان أكبر حجماً من القمح في الوقت الحالي، وهنا طلب الملك استدعاء لوالد الرجل العجوز.

وعاد الحاكم وأرسل في طلب والد العجوز وإذ بالملك تفاجئ بأن والدهم ما زال قادر على المشي بشكل سوي وأنه مليء بالحيوية والنشاط، وأنه له نظر ثاقب ولسانه لا يتلعثم في الكلام، وكرر عليه الملك السؤال ذاته، فأجاب أن هذا النوع من القمح يعود إلى زمن قديم جداً، وأخذ بقضم جزء من حبة القمح وأكمل حديثه بأنه ذات الطعم القديم، فسأله الحاكم عن المكان الذي كانت تتم به زراعة مثل هذا النوع من القمح، وعن فيما إذا قام بزراعة مثل هذا النوع أو اشترى وباع منه.

وهنا استهجن الرجل من حديث الحاكم وأخبره أن بيع وشراء الحنطة في زمنه كانت من الخطايا، إذ كان كل فرد يأخذ حاجته ويعطي الباقي لمن هم في حاجة، فلم يتعاملوا بالنقود نهائياً، وهنا أراد أن يعرف الحاكم الحقل الذي كانت تتم به زراعة هذا النوع من القمح، فرد عليه الرجل العجوز أن كل الأراضي الموجودة على بقاع الأرض كان يزرع بها، فلم تكن هناك ملكيه أراض لأي شخص فكل شخص يزرع بذوره حيث يشاء، ومرّ الزمن في وقته ولم يجرؤ أحد على تحديد ملكية أرض خاصة به، وما كان ينفرد به كل شخص عن الآخر هو العمل الذي يقوم به، وقد كان العجوز مسروراً في حديثه ذلك مع الحاكم.

وفي نهاية الحديث طلب الحاكم من العجوز أن يجيبه عن آخر سؤالين، السؤال الأول حول كيف كانت الأرض تنتج مثل ذلك النوع من القمح؟ والسؤال الثاني هو أن لماذا في الوقت الحالي بغيت الأرض أن تنتج هذا النوع من القمح؟ ثم تابع الحاكم حديثه حول ما هو السبب الخفي في أن حفيدك لا يسير إلا أن يكون متكأً على دعامتين وابنك لا يمكن أن يسير إلا متكأً على عصا واحدة، بينما أنت تسير دون الحاجة إلى أي مساعدة ودون الاتكاء على شيء، وما الذي يجعل نظرك في هذا السن المتقدم ذو نظرة ثاقبة وحادة وسمعك حساس ومرهف ودقيق وصوتك واضح جلي دون أي تلعثم في الكلام.

هنا هزّ الشيخ رأسه وكانت ما زالت البسمة لا تفارق شفاه وأجاب الحاكم بأنه ما سار بالناس إلى تلك الحالة والوضع الجسدي هو كف الناس عن الأكل مما تنتجه أيديهم وأذرعهم، وباتوا يستهزؤون بالعمل والجهد، بينما في زمنهم كانوا الناس يعيشون مما قسمه الله سبحانه وتعالى لهم، والآن تجد قلوب الناس مملؤة بالضغائن وتتفشى الأحقاد في قلوبهم، وقديماً لم ينظر أحد إلى الآخر بعين الحسد والغيرة بل ينظرون إلى نعم الله ومتاعه في الحياة.


شارك المقالة: