قصة البحار السندباد - الرحلة الثالثة

اقرأ في هذا المقال


قصة رحلات البحار السبع لسندباد، الرحلة الثالثة ( The Seven Voyages of Sindbad the Sailor, Third Voyage) حكاية من الحكايات الشعبية من ترفيه الليالي العربية، تم اختيار هذه الحكايات الشعبية وتحريرها بواسطة أندرو لانج عام( 1918).

الشخصيات:

  • السندباد.
  • التجار.

قصة رحلات البحار السبع لسندباد، الرحلة الثالثة:

تحدث السندباد واصفًا رحلته الثالثة وقال: بعد وقت قصير جدًا، جعلتني الحياة السهلة الممتعة التي عشتها أنسى تمامًا مخاطر رحلتي، علاوة على ذلك، بما أنّني كنت لا أزال في مقتبل العمر، كان من الأفضل لي أن أكون مستيقظًا وأقوم بذلك، لذا قمت مرة أخرى بتزويد نفسي بأندر سلع بغداد واختيارها، ونقلتها إلى بالصورة، وأبحرت مع تجار آخرين من معارفي إلى أراضٍ بعيدة.
لقد وصلنا العديد من الموانئ وحققنا الكثير من الأرباح، وفي أحد الأيام هاجمتنا رياح رهيبة في عرض البحر دفعتنا إلى الخروج عن مسارنا، واستمرت لعدّة أيام أخيرًا دفعتنا إلى ميناء في جزيرة غريبة، قال القبطان: كنت أفضل أن أذهب إلى أي مكان آخر غير هنا، هذه الجزيرة وكل ما يجاورها يسكنها متوحشون مشعرون سيهاجموننا بالتأكيد، ومهما فعل هؤلاء الأقزام لا نجرؤ على مقاومتهم ، لأنهم اسراب مثل الجراد، وإذا قتل أحدهم فسوف يسقط علينا الباقي، وسرعان ما سيقضوا علينا.
تسببت هذه الكلمات في ذعر شديد بين جميع أفراد رفقة السفينة، وفقط في وقت قريب جدًا اكتشفنا أن القبطان تحدث بصدق حيث ظهر عدد هائل من المتوحشين البشعة، لا يزيد ارتفاعهم عن قدمين ومغطون بالفراء المحمر. ألقوا بأنفسهم في الأمواج التي أحاطوا بسفينتنا، وكانوا يتحدثون بلغة لم نستطع فهمها، ويمسكون بالحبال والممرات، كانوا يتدفقون على جانب السفينة بسرعة وخفة حركة لدرجة أنهم بدوا وكأنّهم يطيرون.
استولى الغضب والرعب علينا ونحن نراقبهم، ولم نتجرأ على إعاقتهم ولا أن نتفوه بكلمة لردعهم عن هدفهم، مهما كان حيث رفعوا الأشرعة وقطعوا كابل المرساة، وأبحروا بسفينتنا إلى جزيرة تقع على مسافة أبعد قليلاً، ثم استولوا عليها وذهبوا إلى المكان الذي أتوا منه، تاركيننا عاجزين على الشاطئ ونشعر بالرعب جميعنا، ابتعدنا عن البحر، ثمّ تجولنا في يأس في الداخل، ووجدنا أثناء ذهابنا العديد من الأعشاب والفواكه التي أكلناها، وشعرنا أنّنا قد نعيش أطول فترة ممكنة على الرغم من عدم وجود أمل في الهروب.
في الوقت الحاضر رأينا من بعيد ما بدا لنا قصرًا رائعًا اتجهنا نحوه بخطواتنا المرهقة، لكن عندما وصلنا إليه رأينا أنّه قصر شاهق وقوي البناء ثمّ دفعنا الأبواب الثقيلة المصنوعة من خشب الأبنوس إلى الخلف، ودخلنا الفناء، ولكن عند عتبة الصالة الكبيرة التي تقع خلفها توقفنا متجمدين من الرّعب، عند المشهد الذي استقبلنا، حيث كان على أحد الجانبين كومة ضخمة من العظام، عظام بشرية، وعلى الجانب الآخر مواقد لا حصر لها للشوي!
تغلبنا على اليأس وجلسنا مرتعدين على الأرض، واستلقينا هناك بلا كلام ولا حركة، كانت الشمس تغرب عندما أثارنا ضوضاء عالية، وانفتح باب القاعة بعنف ودخل عملاق رهيب، كان طويل القامة مثل نخلة سوداء تمامًا، وله عين واحدة ملتهبة مثل الفحم المحترق في منتصف جبهته، كانت أسنانه طويلة وحادة وابتسامة عريضة مرعبة ، بينما كانت شفته السفلى تتدلى على صدره، وكانت له أذنان مثل أذني الفيل تغطي كتفيه، ومسامير مثل مخالب طائر شرس.
في هذا المنظر الرهيب تركتنا حواسنا وكنا ملقون مثل الموتى،، وعندما استعدنا أخيرًا أنفسنا، جلس العملاق يفحصنا باهتمام بعينه الخائفة، وفي في الوقت الحالي، عندما نظر إلينا بما فيه الكفاية جاء نحونا، ومد يده أخذني من مؤخرة رقبتي، وأدارني ولوح بي هنا وهناك، لكنّه وجدني بأنني مجرد جلد وعظم، فأوقعني مرة أخرى وذهب إلى التالي الذي عامله بنفس الطريقة وأخيرًا، جاء إلى القبطان ووجده أكثر سمنة منا جميعًا، فرفع يده بيد واحدة ووضعه على موقد وشرع في إشعال حريق هائل وشوى به القبطان.
بعد أن كان العملاق قد تناول العشاء، استلقى لينام يشخر مثل أعلى صوت رعد ، بينما كنا نرتجف من الرعب طوال الليل، وعندما حل فجر اليوم استيقظ وخرج، وتركنا في القلعة، وعندما اعتقدنا أنّه قد رحل بالفعل، بدأنا في التحسر على مصيرنا الرهيب حتى ترددت الصيحات في القاعة بصرخاتنا اليائسة، على الرغم من أنّنا كنّا كثيرين وكان عدونا وحده، لم يخطر ببالنا أن نقتله.
وبالفعل كان علينا أن ننفذ هذه المهمة الصعبة حتى لو كنا قد فكرنا بها، ولا توجد خطة يمكن أن نبتكرها لإنقاذ أنفسنا، لذا أخيرًا، خاضعين لمصيرنا المحزن أمضينا اليوم في التجول في الجزيرة ذهابًا وإيابًا ونأكل مثل هذه الفاكهة التي يمكن أن نجدها، وعندما حل الليل عدنا إلى القلعة بعدما سعينا عبثًا إلى أي مكان آخر للإيواء، وعند غروب الشمس، عاد العملاق وتناول طعامه بأحد رفاقنا التعساء، ونام وشخر حتى الفجر، ثم تركنا كما كان من قبل.
بدت لنا حالتنا مخيفة للغاية لدرجة أن العديد من رفاقي اعتقدوا أنّه سيكون من الأفضل القفز من المنحدرات والهلاك في الأمواج دفعة واحدة، بدلاً من انتظار نهاية بائسة للغاية، لكن كان لدي خطة للهروب كشفت لهم الآن، ووافقوا على المحاولة في الحال، فقلت لهم: اسمعوا يا إخواني، أنتم تعلمون أن الكثير من الأخشاب الطافية تقع على طول الشاطئ، دعونا نصنع عدة طوافات وننقلها إلى مكان مناسب، إذا نجحت خطتنا يمكننا الانتظار بصبر لفرصة مرور بعض السفن التي ستنقذنا من هذه الجزيرة المميتة .
أمّا إذا فشلت، يجب أن نأخذ طوافاتنا بسرعة، لأنها ضعيفة، لدينا فرصة أكبر لإنقاذ حياتنا معهم ممّا لدينا إذا بقينا هنا، اتفق الجميع معي، وأمضينا اليوم في بناء طوافات وكل واحدة قادرة على حمل ثلاثة أشخاص، وعند حلول الظلام، عدنا إلى القلعة وسرعان ما جاء العملاق، وتم التضحية بواحد آخر من عددنا، ولكن وقت الانتقام كان في متناول اليد! بمجرد أن انتهى من تناول طعامه الرهيب، واستلقى لينام كما كان من قبل.
وعندما سمعناه بدأ يشخر، قمت أنا وتسعة من رفاقي الأكثر جرأة بهدوء، وأخذ كل منهم قطعة حديد والذي جعلناها حمراء ساخنة في النار، ثم عند إشارة معينة أغرقناها باتفاق واحد في عين العملاق، ممّا أدى إلى إصابته بالعمى تمامًا حيث أطلق صرخة رهيبة، وقفز على قدميه ممسكًا في جميع الاتجاهات لمحاولة القبض على واحد منا، لكنّنا فررنا جميعًا بطرق مختلفة وبمجرد أن تمت مهمتنا، وألقينا بأنفسنا على الأرض في زوايا لم يكن فيها مجال لأن يلمسنا بقدميه.
بعد تفتيش عبثي، تخبط حتى وجد الباب وهرب منه وهو يعوي بشكل مخيف، أما بالنسبة لنا، فعند رحيله أسرعنا بمغادرة القلعة المميتة ووقفنا بجانب طوافاتنا، وانتظرنا لنرى ما سيحدث، كانت فكرتنا أنه إذا طلعت الشمس، لا نرى شيئًا من العملاق، ولا نسمع صيحاته التي كانت لا تزال تأتي بقوة خلال الظلام، وتزداد أكثر، حتى أنّنا استنتجنا أنّه مات، وأنّنا قد نبقى بأمان على الجزيرة ولا داعي للمخاطرة بحياتنا على الطوافات الضعيفة.
لكن للأسف! أظهر لنا ضوء الصباح أن عدونا يقترب منا، مدعوماً بيدين لعملاقين تقريباً بحجمه وقوته، بينما تبعه حشد من الآخرين عن قرب، حينها لم نعد مترددين في التسلق على قواربنا وتجديفنا بكل قوتنا في البحر. أمّا العمالقة الذين رأوا فريستهم تهرب منهم، استولوا على قطع ضخمة من الصخور، ونزلوا في الماء وألقوا بحجارتهم ورائنا لدرجة أنّ جميع الطوافات باستثناء تلك التي كنت عليها قد غرقت، وغرق طاقمها السيئ الحظ، بدوننا.
لم يكن لدينا القدرة على فعل أي شيء لمساعدتهم، كان لدي أنا ورفيقي كل ما يمكننا القيام به للحفاظ على طوفنا بعيدًا عن متناول العمالقة، ولكن بفضل التجديف الصعب، اكتسبنا أخيرًا الوصول إلى البحر المفتوح، هنا كنا تحت رحمة الرياح والأمواج التي دفعتنا ذهاباً وإياباً طوال ذلك النهار والليل، لكن في صباح اليوم التالي وجدنا أنفسنا بالقرب من جزيرة هبطنا عليها بكل سرور.
هناك وجدنا ثمارًا لذيذة، وبعد أن أشبعنا جوعنا استلقينا للراحة على الشاطئ. فجأة استيقظنا من ضجيج حفيف شديد، فرأينا أنّه نتج عن ثعبان ضخم كان ينزلق نحونا فوق الرمال، وسرعان ما قتل أحد رفاقي قبل أن يتمكن من الاقتراب منا، وعلى الرّغم من صراخه وصراعاته، سحق الحياة منه بسرعة في لفاته القوية وشرع في ابتلاعه.
بحلول هذا الوقت، كنت أنا ورفيقي الآخر نركض من أجل حياتنا إلى مكان ما حيث قد نأمل أن نكون في مأمن من هذا الرعب الجديد، وعند رؤيتنا شجرة طويلة صعدنا إليها، بعد أن زودنا أنفسنا أولاً بمخزن من الفاكهة من الشجيرات المحيطة، وعندما حل الليل غططنا في النوم، ولكن فقط لأستيقظ مرة أخرى على الأفعى الرهيبة، والتي بعد أن هسهست حول الشجرة بشكل مروع وقفت ضدها، ووجدت رفيقي النائم الذي كان جالسًا تحتي مباشرة قد ابتلعه أيضًا وزحف بعيدًا.
عندما أشرقت الشمس تسللت من فوق الشجرة وبالكاد أمل في الهروب من المصير الرهيب الذي استولى على رفاقي، وقد قررت أن أفعل كل ما بوسعي لإنقاذ نفسي، و طوال اليوم، كنت أعمل بعجلة محمومة وجمعت كميات من الأخشاب الجافة والقصب والأشواك التي ربطتها ببعضعها، وشبكتها بدائرة تحت شجرتى حتى أتيحت لي شكل الخيمة التي فيها جثمت مثل الفأر في حفرة عندما رأت القطة قادمة.
ويا لها من ليلة مخيفة مررت بها، فقد عاد الثعبان متلهفًا على التهامني، ودار حول مسكني الضعيف ودور فيه بحثًا عن مدخل، و في كل لحظة كنت أخشى أن ينجح في اقنحام خيمتي ، لكن لحسن الحظ بالنسبة لي، تماسكت الأخشاب معًا وعندما نزل عدوي جلس محتارًا وجائعًاً، إلى عرينه، بالنسبة لي كنت ميتا أكثر من حياً! كنت أرتجف من الخوف وأختنق من التنفس السام للوحش.
فخرجت من خيمتي وزحفت إلى البحر، وشعرت أنّه سيكون من الأفضل أن أغوص من المنحدرات وإنهاء حياتي مرة واحدة على أن أمضي مثل هذه الليلة الأخرى من رعب، ولكن لفرحتي وإرتياحي رأيت سفينة تبحر، ومن خلال الصراخ بعنف والتلويح بعمامتي تمكنت من جذب انتباه طاقمها، وتم إرسال قارب لإنقاذي، وسرعان ما وجدت نفسي على متنها محاطًا بحشد عجيب من البحارة والتجار الذين يتوقون لمعرفة ما هي الفرصة التي وجدت نفسي في تلك الجزيرة المقفرة.
بعد أن رويت قصتي، قاموا بإعطائي أفضل أنواع الطعام التي توفرها السفينة، ورأى القبطان ملابسي الرثة، ومنحني بسخاء معطفه الخاص، و بعد الإبحار لبعض الوقت والتعامل مع العديد من الموانئ، وصلنا أخيرًا إلى جزيرة حيث ينمو خشب الصندل بكثرة، وهناك رسونا، وبينما كنت أقف أشاهد التجار وهم ينزلون من بضائعهم ويستعدون لبيعها أو استبدالها، اقترب مني القبطان وقال: لدي هنا يا أخي، بعض البضائع الخاصة بأحد راكبي المتوفون فهل تصنع لي معروفًا لبيعها، وعندما أقابل ورثته سأكون قادرًا على منحهم المال.
فوافقت بسرور لأنّني لم أحب الوقوف مكتوفي الأيدي، عندئذٍ وجه لي البائع وأرسل إلى الشخص الذي كان من واجبه الاحتفاظ بقائمة بالبضائع الموجودة على السفينة، وعندما جاء هذا الرجل سأل عن الاسم الذي سيتم تسجيل البضائع، أجاب القبطان: باسم سندباد البحار، في ذلك الوقت، كنت مندهشًا للغاية، ولكن بالنظر إليه بعناية، تعرفت عليه على أنه قبطان السفينة التي قمت بها في رحلتي الثانية، على الرغم من أنّه تغير كثيرًا منذ ذلك الوقت، لكنّه لم يعرفني.
قلت: إذًا أيها القبطان، التاجر الذي يملك تلك البضائع كان يسمى سندباد؟ أجاب: نعم، لقد سمي بهذا الاسم، كان ينتمي إلى بغداد، وانضم إلى سفينتي في بالصورة، لكن تركناه بالخطأ ورائنا على جزيرة صحراوية حيث هبطنا لملء براميل المياه لدينا ولم يحدث ذلك إلّا بعد أربع ساعات حيث كنا قد نسيناه وبحلول ذلك الوقت هاجمتنا الرياح وأصبح من المستحيل إعادته.
فقلت له: هل تفترض أنّه قد هلك إذًا؟ أجاب: للأسف! نعم، فصرخت: لماذا أيها القبطان! انظر إلي جيدًا، أنا ذلك السندباد الذي نام على الجزيرة واستيقظ ليجد نفسه مهجورًا! حدق القبطان في ذهول، لكنّه كان مقتنعًا في الوقت الحالي أنني كنت أتحدث عن الحقيقة بالفعل، وفرح كثيرًا بهروبي، وقال: أنا سعيد بوجودك، على أي حال، الآن خذ بضاعتك، والربح الذي جنيته منها.
أخذتها مع الشكر، وبينما كنا ننتقل من جزيرة إلى أخرى، وضعت مخازن القرنفل والقرفة والتوابل الأخرى. رأيت في أحد الأماكن سلحفاة يبلغ طولها عشرين ذراعا وعرضها، وسمكة تشبه بقرة ولها جلد كثيف لدرجة أنّها كانت تستخدم في صنع الدروع، وآخر رأيت أنّه يشبه الجمل في الشكل واللون، لذا عدنا إلى بالصورة، تدريجيًا، وعدت إلى بغداد مع الكثير من المال الذي لم أستطع عده، إلى جانب الكنوز التي لا نهاية لها.
أعطيت المال للفقراء، واشتريت الكثير من الأراضي لأضيفها إلى ما كنت أملكه بالفعل، وبالتالي أنهيت رحلتي الثالثة، وعندما انتهى سندباد من قصته قدم مائة ترتر أخرى لهندباد الذي غادر بعد ذلك مع الضيوف الآخرين، ولكن في اليوم التالي عندما أعيد تجميعهم جميعًا، وانتهت المأدبة واصل سندباد مغامراته.


شارك المقالة: