يُعتبر المؤلف والأديب ياسوناري كاواباتا وهو من مواليد دولة اليابان من أشهر الكُتاب الذين برزوا ولمع اسمهم في كتابة القصص القصيرة، وقد حصل على جائزة نوبل في الأدب، وكما كان قد بدأ كتابة القصص والروايات وهو ما زال على مقاعد الدراسة الجامعية، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة رعد في الخريف.
قصة رعد في الخريف
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في اليوم الذي كان يقام فيه حفلة زفاف في أحد أيام فصل الخريف، إذ كان يقام الحفل في أحد الفنادق في المدينة وكان يتخلل الحفل العزف على آلة الناي التي تشبه شكل الخيزرانة، وقد كان هذا النوع من الآلات بهذا الشكل تعود لزمن قديم، وقد كان في تلك الفترة ما زال الخريف في بدايته، حيث كانوا الناس قد ودعوا فصل الصيف والفتيات قد أتممن رحلات الاستجمام على البحر، ويسرن في المدينة واللون البرونزي يغمرن بشرتهن.
وفي لحظة من اللحظات أثناء الحفل شاهدت الجموع أنّ البرق قد لمع من الشباك بشكل مفاجئ، وبدأ الرعد يقصف بشكل متتالي، وقد أحدث ذلك الأمر حالة من الاستنفار بين جموع الحفل وكأن الجموع كانت على وشك المغادرة، ومن هنا دخل الخوف إلى قلب العروس وتغيرت ملامحها وبدأ وجها يبدو شاحباً على الرغم من أنها كانت في ربيع عمرها، وبدأت تدس رأسها إلى الأسفل ويذرف العرق على وجهها، فقد كانت ما زالت صغيرة لا تتجاوز السابعة عشر عاماً، بدأت الجموع في الحفل يتوجهون نحو النوافذ إذ يغلقون الشبابيك وينزلون بالستائر.
وبعد انقضاء الحفل تحدث والد العروس أنه لربما كانت حالة الخوف التي أصابت العروس جراء سماعها لصوت الرعد هو لعنة قديمة أثرت بها، ثم أكمل حديثة حول قصة أحد الشبان الذي كان بار بوالديه قديماً، وقد كان ذلك الشاب الذي يدعى يوشيدا يقطن من مدينة تعرف باسم تامبا، فقد كان يحب والديه ويطيعهما في كل أمر حتى وصل صيته إلى حاكم المنطقة والذي بدوره أشاد به وببره لوالديه، وعلى أثر ذلك عفا عنه أن يقوم بدفع الضرائب المترتبة عليه وعلى الأرض التي يمتلكها في ذلك الوقت، كانت والدة يوشيدا تعاني من حالة خوف شديدة تلازمها حينما تسمع صوت الرعد، وتلك الحالة كانت توصل بها إلى حالة الإغماء ولا يمكن لأي شخص أن يعيدها إلى وعيها إلا من خلال دق الطبول فوق رأسها.
ولذلك كان يوشيدا عندما يسمع صوت الرعد سرعان ما ينقض نحو البيت بسرعة الريح ويترك ما بين يديه مهما كان ذلك الأمر مهماً، ولم يقتصر اهتمامه بوالدية على ذلك الأمر فقد كان حتى في فصل الصيف لا يجرؤ على الابتعاد عن المنزل ومغادرة القرية حتى ولو ما يريده أمر مهم فقد كان يبعث أحد الأشخاص، إذ كان يحرص على الدوام أن لا يفارق القرية ويبقى قريب من البيت، وفي أحد الأيام توفيت والدته، وقد كان كلما يسمع صوت الرعد يركض نحو المقبرة التي دفنت بها والدته ويضم قبرها بين يديه خوفاً منه على والدته حتى بعد مماتها.
ومع مرور الأيام وذات ليلة باردة ورعدية كان يوشيدا يقضي تلك الليلة حول قبر والده ويضمه بشده والرعد يقصف بالمنطقة، وعلى الرغم من أنه كان قد هلك من شدة البرودة إلا أنه لم يفارق القبر، وبقي هكذا إلى أن عصف به رعد قوي جداً، ومع فجر اليوم التالي كانت السماء صافية وكأن الليلة التي مضت لم يُعصف بها الرعد أبداً، بدأ سكان القرية البحث عن يوشيدا، إذ وجدوه ملتفاً حول قبر والده، وحينما حاول أحد الأشخاص أن يرفع ذراعيه تساقطت ذراعة على الأرض قطعاً متناثرة.
فقد كان جسده قد أصبح لونه أسود غاطس مثل لون الفحم تماماً، وعند محاولة أي شخص أن يلمسه ولو بدقة بسيطة كان الجسد يتساقط على الأرض كفتات من الرماد الصغير جداً، وقد كان في ذلك الوقت أي محاولة يقوم بها الناس من أجل إبعاد يوشيدا عن قبر والدته هو أمر خاطئ؛ لأنهم لا يمكن لأي شخص لمسه وإلا يصبح مجرد قطع رماد على الأرض، وفي تلك الأثناء مرت بالحادثة امرأة عجوز وبدون أن يلتفت نحوها أحد استطاعت أن تحصل على إصبع من جسد يوشيدا ووضعته تحت ردائها، وقد أخذت تتمتم في داخلها أنها سوف تقوم بإطعامه إلى ابنها المهمل لها على أمل منها أن يصبح يهتم بها مثلما كان يوشيدا يهتم بوالدته.
ومنذ تلك اللحظة بدأ الناس يفكرون في تلك الطريقة إذ بدأوا الناس في تناول قطع من جثة يوشيدا وتمريره عبر الأجيال فقد كان من وجهة نظرهم أنه بمثابة كنز عائلي، وهنا أخذ العريس يتذكر أنه حينما كان في مرحلة الطفولة أقدم والداه على تقديمه له، وفي تلك اللحظة أخذ يسأل نفسه فيما إذ كان في صغره يخاف من صوت الرعد، ونظر إلى زوجته نظرة عميقة وسأل والدها فيما إذا كان قد قدم لابنته قطعة من ذلك الرماد حينما كانت صغيرة.
فأجاب والدها أنه لم يهتم لذلك الأمر ولم يكن في الأصل يؤمن به وهذا ما جعله لا يقدم ذلك الرماد لأي واحد من أبناءه، وهنا قال العريس أنه سوف يسأل والده ما إذا تبقى لديه قليل من ذلك الرماد، وأنه حين الحصول عليه سوف يقدمه لعروسته، وعند عودة العروسين إلى منزلهم كانت العروس في كامل أناقتها حتى وصفها العريس بأنها ليلة من ليالي الصيف الجميلة، وفي تلك اللحظة ظهرت أربع من الجنادب وبدأ تتراكض حول العروس وتزامناً مع ذلك قصف الرعد وهنا تغير حالة العروس تماماً حتى أصبحت وكأنها ليست هي من كانت عليه في السابق شحب وجهها وتغير لونها وارتعش جسمها على الفور.
وهنا سرعان ما حاول العريس الإمساك بيد زوجته والتخفيف من خوفها ورعبها وأخذ يقول لها أنه بعض الوقت وسوف يغادر الرعد، ولكن العريس مع كل ما قدمه من كلام مطمئن وهادئ إلا أنه لم يلاحظ أن هناك أي تغيير على حالة زوجته، فقد شعر أن هناك شيء كامن داخلها لا تقوى على تبديده أو التخلص منه، ومن هنا بدأ يفكر في قصة يوشيدا مع والدته ودخل الخوف إلى قلبه بأن يصبح مثله، وأن يتحول من عريس جديد إلى جثة رماد متفحمة، وهنا بدأ الرعد يشتد أكثر فأكثر وكأنه يحاول أن يحول الفراش إلى قبر والعريس يحتضنه.