قصة زيف

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المؤلف والأديب ناصر فاضلوف وهو من مواليد دولة كازاخستان من أهم وأبرز الكُتاب الذين برزوا في كتابة القصص وتأليف الكُتب، ونظراً لأهمية المواضيع التي تناولته رواياته فقد تم العمل على ترجمة مؤلفات من اللغة الكازاخستانية إلى اللغة الأوزبكية، وقد تم تصنيف قصته التي تحمل عنوان زيف من روائع الأدب الكازاخستاني.

قصة زيف

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول اللحظة التي كان يسير بها رجل في مرحلة متقدمة من العمر وقد كان يمتلك علل في صحته وجسمه سمين وهذا الأمر لم يمكنه في كثير من الإمكان من إتمام صلاة القيام في أحد المساجد القريبة من منزله، إذ كان يستعين من أجل مساعدته بأحد الصبية الذين في مقتبل العمر فيلازمه في المشي كعادته، فقد كان ضعيف البصر وليس لديه القدرة على التمييز بين الأشياء والألوان من حوله.

وبعد إتمامه الصلاة وعودته إلى المنزل استقبلته زوجته التي كانت في تلك الفترة أيضاً في مرحلة متقدمة من العمر، وعلى الرغم من عدم قدرتها على قضاء حوائجها بنفسها، إلا أنها كانت تساعده على الحركة في القيام والجلوس، إذ كان لديه مكان يفضل يحب الجلوس فيه وقد كان ذلك المكان يقع تحت شباك مصنوع من مادة الخشب.

وفي تلك الأثناء طلب منها أن تقوم بعمل شاي له، ومن هنا بدأت والأفكار تتخبط بداخلها، حول ماذا سوف تفعل؟ فقد كان الرجل العجوز يعلم تمام المعرفة أنهم لا يملكون أي شيء في بيتهم، ولا حتى على رغيف من الخبز، فقد كان كل ما يمتلكونه أجزاء بسيطة من المفروشات التي في عداد التلف تغطي أجزاء من المنزل، وقد كان المنزل عبارة عن أجزاء صغيرة من الأرض المليئة بالتراب ومجموعة من الأواني التي يملأها الصدأ والتي قليل ما يتم استخدامها، وعلى الرغم من ذلك كله طلب شاي.

وعلى الرغم من ذلك توجهت الزوجة من أجل البحث في بقايا من وجبة الإفطار التي يرسلها مجموعة من الأشخاص كموائد الرحمن لبيتهم بشكل يومي وقد كان ذلك دون أن تنطق بأي كلمة تدل على أنه لا يوجد في المنزل شيء، فقد كانت تحاول أن تجد فيها شيء تضعه أمام زوجها عوضاً عن الشاي، ولكنها لم تجد أي شيء فقد كانت وجبة الإفطار قد نفذت بالكامل، وعادت إلى زوجها بخيبة أمل.

وهنا بدأ الرجل العجوز يخرج بعض الأوراق القديمة وأخذ يتفحصها قدر المستطاع، ونظراً لضعف بصيره، فقد كان يتفقدها على بصيص الضوء الذي يتسرب للشباك من الشارع، وحين كان يقلب في الأوراق والتي كان قد حفظها عن ظهر قلب، وهنا بدأ قلبه يتعصر من الألم أنه كيف الناس من حوله يصفونه بالجبن، وهو في ريعان الشباب كان أول شخص قد وقف أمام كل سلطات الاستبداد والقهر والاستعمار؟ وهنا بدأت الكثير من الأسئلة تتخبط في ذهنه.

وفي ظل الأسئلة التي أخذت تتهاوى بشكل كبير على روحه التي تشعر بالانكسار، لكنه بقي محافظاً على عدم ذرف الدموع من عينيه، وبقي على ذلك الحال يتألم في صمت دون أن يشعر أحد بذلك ولا حتى بزوجته التي كانت تحدق النظر فيه وتعلم ما يعتريه من مشاعر، وهنا كان العجوز يعلم أن زوجته تدخل في حيرة وحالة من الخوف الشديد على مشاعره وأحاسيسه المجروحة، وبقي في حالة من الخواء الدائم والتفكير في حالة الفقر التي تصيبهم.

ومن هنا كان كل يوم يزداد حبه وعشقه لزوجته، وقد كان ذلك جراء صبرها وتحملها لحياة الفقر والأوضاع السيئة التي تحيط بهم، وقرر أن يخرجها من حيرتها، فقال لها أنه عكف عن شرب الشاي ولا يريده، وأكمل قولة أنه أتم استراحته وسوف يرجع إلى المسجد من أجل إكمال صلاته، وأثناء سيره إلى المسجد استوقفه أحد الشباب من وسأله: هل أنت إسماعيل؟ فرد عليه  بنعم، ورد عليه العجوز من أنت؟ فرد الشاب: أنا ابن هذه القرية التي جلبت لها العار بخيانتك وجبنك.

وفي تلك اللحظة رد العجوز أن كل ما ينطق به الشاب هو مجرد ظلم وافتراء واتهامات باطلة ألصقها به رجال القرية، ونسوا كل ما قدمه من تضحيات في مواجهة الاستبداد والظلم الذي حلّ بقرية في الزمن القديم، فقد قضى كامل حياته في البحث عن الحرية والكرامة للقرية وسكانها، وأكمل حديثه متوجهاً نحو الشاب بقوله: أنت من صناعة الدول الإنجليزية، فلطالما جلبت لنا الاستعمار وقد تقاضيت ثمن كل ذلك من خلال  النعيم الذي حصلت عليه خارج البلاد.

وأشار إلى أن هذا هو كان مبتغاهم وهدفهم الأساسي، وأخذ الشاب في سؤاله عن غايته من ذلك الحديث؟ فأجاب العجوز أنه كل حياتهم زيف، فقد كان الأشخاص في تلك الفترة قد فعلوا كل شيء من أجل أن يستقر في أذهانكم أنّ الثورة ما كانت في نظرهم سوى فوضى عارمة وفتنة بين الناس، وأنّ الجنة بالنسبة لهم ما كانت إلا الاستقرار، كما أنّ الشجاعة بالنسبة لهم كانت مجرد ستار على الخيانة والغدر، وأنّ كل إنسان كان يقوم بالمطالبة بالحرية والاستقلال ما هو إلا شخص عميل ومتآمر في نظرهم، وأشار العجوز بيده إلى الشاب وأمره بالانصراف مردد له يا بني إنني أضمر الشفقة عليك، فأنت لا تدرك ما هي الحقيقة ولا تفقه أي شيء عن الحياة في الزمن القديم.

وهنا أخبر العجوز الشاب أنه لا يريد أن يرى وجهه مرة أخرى على الاطلاق وقام بإهانة الشاب وشتمه أمام جموع كبيرة من الناس كان قد اجتمعت حولهم في ذلك الوقت نتيجة صراخ العجوز على الشاب، تدخل بعض الجموع وابعدوا الشاب وانصرف العجوز نحو منزله حيث التزم الصمت دون أن ينطق بكلمة واحدة، فقد كان كلام الشاب قد أثار الغضب والضجر بداخله، وأخذ يتخبط أي شيء من حله حتى يتكئ عليه لمساعدة في الوصول إلى منزله.

وعند وصوله إلى المنزل سرعان ما جلس في مكانه المفضل تحت الشباك، ثم أخذ بالخلود إلى النوم، ونظراً إلى الحالة التي كانت تعتريه بدأت زوجته تلح عليه في السؤال عن حاله وما هو الشيء الذي أوصل به إلى تلك الحالة من الاكتئاب، لكنه رفض أن ينطق بأي كلمة وخلد إلى النوم، بعدها خرجت الزوجة بعدما تأكدت أنه دخل في النوم.

وبعد فترة عادت الزوجة محاولة استيقاظ زوجها لكنه لم يستيقظ أبداً، فأدركت أنه مات وهنا قضت الزوجة يومان من البكاء على حالة، فقد كانت ما زالت عاجزة حول ماذا تعمل بجثته؟ إذ تخشي أن يتعفن جثمانه، فهي لا تمتلك أية نقود، فتبكي مصيبتها والناس بالخارج لا يهتمون بما حدث إذ يستعدون لاستقبال العيد، وقد كتبت إحدى الصحف الكبرى بخط صغير في طرف صفحاتها أن المدعو إسماعيل صاحب الفتنة المشهورة قد توفي منذ عدة أيام.


شارك المقالة: