يُعتبر المؤلف والأديب ياسوناري كازاباتا وهو من مواليد دولة اليابان من أبرز الكُتاب الذين بدأوا في كتابة الروايات والقصص في مرحلة مبكرة من العمر، حيث كانت أول قصص قام بكتابتها وهو على مقاعد الدراسة الجامعية، ومن أشهر القصص التي اشتهر بها قصة صخرة الانزلاق، وقد اعتبرت من أروع القصص في الأدب الياباني.
قصة صخرة الانزلاق
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول مكان جبلي يقع فيه نبع ذو مياه شديدة الحرارة جاء إليه رجل مع زوجته، وكان ذلك النبع مشهوراً بدرجة حرارة المياه فيه، إذ تبلغ حرارة المياه فيه درجة الغليان، وقد أشير إليه بأنه يجلب الحمل إلى النساء اللواتي يعانين من مشاكل في الحمل وعدم حصولهن على أطفال على شكل غير مألوف، ومما لا شك في أنها كانت مفيدة جداً للنساء، بالإضافة إلى ذلك، كان يذكر في إحدى الخرافات القديمة تشير إلى أنّ كان في ذلك المكان شجرة صنوبر وصخرة قريبتين جداً من بعضهم البعض، وقد كانت تلك الشجرة والصخرة من المعالم الأثرية في المنطقة.
كان في تلك المنطقة يسكن حلاق، بينما كان يتوجه الحلاق إلى المكان المخصص لتخليل الخيار الذي كان يستخدمه بعد انتهائه من الحلاقة، وصل إليه الرجل وسأله عن شجرة الصنوبر التي كانت في تلك المنطقة، حيث يتذكر الرجل حين كان في مرحلة الصبا أنه كان يصحى وهو وجميع الأطفال في المنطقة من أجل مشاهدة نساء المنطقة وهن ينغمرن في مياه النبع ومن ثم يدورن حول شجرة الصنوبر، فقد كن النساء في تلك الفترة من لا تنجب الأطفال يصاب عقلها بالجنون، وهنا سأل الرجل الحلاق هل تلك الظاهرة ما زالت موجودة إلى هذا اليوم؟ فأجابه الحلاق: لا.
فلقد تمت إزالة الشجرة منذ ما يقارب عشر سنوات، وبالفعل كانت هنا شجرة صنوبر ضخمة شاهقة، إذ تم بناء منزلين بالخشب الذي كان بها، سأل الرجل: ما ذا الذي قام بتقطيعها، لا بد أن من استطاع قطعها رجل قوي جداً، فرد الحلاق: أن أمر إزالتها قد صدر عن المكتب الخاص بالمقاطعة، وأكمل كلامه فقال: لن أطيل عليك في الحديث إنّ الأيام القديمة قد مضت ولن تعود مرة أخرى.
وهنا توجه الرجل إلى الخارج حتى يتناول وجبة الغداء مع زوجته، ولكن قبل ذلك اقترح عليها أن يقوم بالغطس في المياه الحارة وأن تقوم هي كذلك بفعل ذلك، وقد كان يطلق على ذلك النبع في تلك الفترة النبع الكبير الجماعي؛ ويعود السبب في ذلك إلا أنه بالرغم من أنه نبع مختلط إلا أنه بالإضافة إلى ذلك يوجد به فائدة إلى النساء، وبالتالي فقد كان يُعتبر جوهرة ثمينة ونفيسة.
وقد اعتاد الناس قبل الدخول إلى النبع التغطيس في البداية والاغتسال جيداً ثم التوجه صوب النزل الذي يكمن به النبع، ثم بعد ذلك يتم النزول على الدرج المصنوع من الحجر باتجاه النبع الكبير، حيث تم وضع سور مصنوع من مادة الخشب حول النبع الكبير من ثلاث جهات، على شكل مغطس لكن كان أسفل النبع موجود صخرة طبيعية، ومن الناحية الرابعة التي لم يكن موجود فيها سور للمغطس، كان يوجد هناك صخره كبيرة جداً وعالية تشبه في ضخامتها حجم الفيل، وقد كان سطحها لونه أسود ومبتل على الدوام بفعل مياه النبع الحارة، وهذا ما يجعله ناعم وسريع في الزلق، ولأن تلك الصخرة كانت تمتلك فائدة عظيمة من وجهة نظر الناس الذين يقطنون في تلك المنطقة، فقد أطلق عليها اسم صخرة الانزلاق.
كان الرجل ينظر إلى ذلك المكان بكل سخرية ويحدث نفسه كيف للناس أن يعتقدوا أنه من خلال تزلقهم على تلك الشجرة أنهم سوف يرزقون بأطفال، وهنا أخذ بابتسامة ساخرة ويحدث الصخرة لو أنك أيتها الصخرة تجتثي رأس زوجتي وتغمريها في النبع وتخرج لي بوجه جديد جميل، لكان لي أن أندهش من فعلك العجيب.
كان في ذلك النبع الحار لا يوجد سوى الأزواج وفي لحظة من اللحظات بدت تتغير زوجته بعض الشيء، فقد كان يركز تفكيره على كيف له أن يتخلص من زوجته وكل أمر يتعلق بها، فقد كان لا يحبها، وفي لحظة ما شاهد امرأة قد أقبلت نحوه وتلك المرأة كانت قد صففت شعرها على الطريقة الحديثة إذ أمسكت به من جهة الأذنين واستدله عليهن، نزلت على الدرج الحجري، حيث بدأت بإزالة مشابك الشعر ووضعتها جانباً على الرف وأخذت تبدو فتاة في مقبل عمرها وفي غاية الجمال.
وهنا بدأت تغطس نفسها في النبع، وحينما خرجت المرأة من الماء كان شعرها المبلول يشبه شجرة الفاونيا التي أزيل عنها كل البتلات، ولم يتبق إلا ملامح جمالية، وعند رؤية الزوج لها فقد اعتقد أنها ليست زوجته، وقد غمره الخجل في أن تكون مرأة أخرى، وهنا يبدأ بالمقارنة بينها وبين زوجته، فحينما يكون الشخص يكره الطرف الآخر فإنه يذكر المساوئ فقط ولا يذكر محاسنه، وهنا انصدم الرجل بأنه تلك الفتاة هي زوجته في الحقيقة مما جعله تثور قوة بداخله، فأراد من الصخرة أن تحدثه عما جرى لها وكيف تغيرت لهذه الدرجة، فقد أصبحت امرأة وردية وبارعة في الغطس بذلك النبع.
وفي المساء طلب من زوجته أن تخلد إلى النوم قبله، وأخذ بالتوجه صوب الغرف المخصصة لتبديل الملابس وكتابة العديد من الرسائل هناك، وقد كانت ما زال متعجب مما حدث مع زوجته، وفي تلك اللحظة شاهد ضفدع لونه أبيض متمسك بالصخرة، كان الضفدع يزحف الضفدع باتجاه الصخرة وتشبث بها، فقد كان الضفدع هو يشبه زوجته حين كانت تسريحتها متدلية على أذنيها، فقد كان يحمل ذات العينين التي شاهدها بها عند النبع في ذلك المساء.
انطلق الرجل بسرعة على الدرج، ومن شدة الخوف كانت قد تصلبت يده على الدرج، فقد كان يعتقد أن تلك المرأة التي تشبه الضفدع سوف تأتي هذه الليلة لتقتل زوجته، فقد كانت امرأته في غرفة نومها لوحدها، وقد كان شعرها منسدل على الوسادة، وتلتف ذراعاها حول مخدتها، وعند مشاهدته لها في هذه الحالة ردد قائلاً: أوه أيتها الصخرة حتى زوجتي تؤمن بخرافتك العبثية، فهي تخيفني بهذا القدر، ربما كانت الخرافة في خوفه من أن تكون هذه ليست زوجته، دون علم لي بذلك، فالتفكير في هذه الطريقة يجعل المئات وربما الألوف من الأزواج يرتجفون، اختلجت داخله عواطف شديدة، وفي تلك اللحظة شد زوجته من يدها، وقال لها: افيقي.