من أكثر الصفات التي يجب على الأطفال إدراك عواقبها هي الغدر، سنحكي في قصة اليوم عن ثعلب ماكر قام بغدر صديقه الحمار وأرسله وجبة للأسد كي يرضيه، ولكنّه ينال جزائه وعندما يجوع الأسد ولا يجد ما يأكله يتحوّل هو بنفسه فريسة له، والعبرة من القصة هي: من كافأ الناس بالمكر كافأوه بالغدر.
عقوبة الغدر:
في إحدى الغابات كانت الحيوانات تعيش مع بعضها البعض في سعادة وهناء؛ حيث كانت تعيش بسلام وكانت بيوتهم قريبة من بعضها البعض، وكان إذا غاب أحد الحيوانات يسألون عنه ويزورنه ويطمئنون عليه بشكل مستمر، وفي مرّة من المرّات تقابل القرد مع الغزالة التي كانت تغيب في منزلها عدّة أيام، فسألها القرد عن سبب غيابها وقال لها: كيف حالك يا جارتي العزيزة لعل ما يمنعك عن الخروج من المنزل أمر خير؟
بدا على الغزالة مظاهر التعب والإرهاق وصارت تشتكي حالها للقرد وتقول: يا أيها القرد أنا أمضي نهاري كله بالبحث عن الطعام لي ولأولادي، وعندما أعود أبدأ بتنظيف منزلي وترتيبه وأنام في الليل وأنا من شدّة تعبي استعداداً لليوم التالي.
بدأ القرد حزين لحالها واعتذر منها على تقصيره معها وعدم سؤاله لفترة من الوقت فقالت له: لا عليك أيها القرد ولكنّني أشعر بالقلق على الحمار الوحشي، فسألها القرد: لماذا؟ فقالت: إنّني لم أره منذ أيام وعندما ذهبت لأطرق بابه قمت بذلك لأكثر من مرة ولكن لم يكن أحد يجيبني، فقال لها القرد: إذاً هيا بنا لنذهب ونطمئن عليه فأنا أيضاً لم أره منذ مدّة.
ذهب القرد والغزالة للاطمئنان على حال الحمار الوحشي، وأثناء ما كانا واقفان يطرقان الباب مر بها الكلب فسألهم عن سبب وقوفهم أمام باب منزله، فأخبروه أنّهم لم يروه منذ أيام وأن باب منزله مغلق، فقال لهم الكلب: لقد رأيته في اليوم في الصباح يسير مع الثعلب في بعض أنحاء الغابة.
تعجّب كلاهما من قول الكلب وقال الغزال: يبدو الأمر غريباً فليس من المعتاد أن يرافق الحمار الكلب، فقال القرد: هيا بنا لنذهب لمنزل الكلب كي نسأله عن الحمار ونطمئن عليه، ذهب القرد والغزال ورافقهم الكلب إلى منزل الثعلب وطرقوا الباب، لما فتح لهم الثعلب الباب بدت عليه مظاهر الضيق والانزعاج وقال لهم: ماذا تريدون؟ فقالوا له: جئنا لكي نطمئن على حال الحمار فنحن لم نراه منذ أيام، فقال لهم الثعلب: ولكنّني لا أعرف عنه أي شيء.
تعجّبوا من قوله وقال له الكلب: لقد رأيته يسير معك في الصباح بعيني، فقال الثعلب: ولكنّه ذهب بعد ذلك وأنا لا أعرف أين هو الآن، وإن كنتم لا تصدّقون كلامي ادخلوا لمنزلي وفتّشوا عنه، فرد عليه الكلب: لا لن نفعل ذلك فلسنا بحاجة لذلك بل سنذهب ونبحث عنه في مكان آخر.
سار الكلب ومعه رفقائه يبحثون عن الحمار الوحشي في الغابة، وأثناء ما كانوا يمشون وجدوا رجل الحمار الوحشي فقال الكلب: انظروا أليست هذه رجل الحمار الوحشي وهذه حدوته الحديدة أيضاً، فقال القرد: نعم إنّها رجله، وعندما مشوا قليلاً وجدوا رجله الأخرى ملقاة على الأرض، والتفت الغزال فوجد رأس الحمار الوحشي بجانب بيت الأسد، تعجّب الثلاثة ممّا رأوا وقالوا في أنفسهم: لا بد أن الأسد استفرد بالحمار الوحشي وأكله غدراً.
شعرت الغزالة أن الأمر ليس طبيعياً وقالت: ليس من عادة الحمار الوحشي أن يمشي بمفرده في أطراف الغابة أنا أشعر بأن هنالك حيلة ما، وكان في هذه الأثناء الثعلب يتواجد في منزل الأسد ويقول له: ما رأيك بوجبة العشاء في الأمس هل أعجبتك؟ فقال له الأسد: هل تقصد الحمار الوحشي؟ قال له: نعم فقال له الأسد: ولكن أخبرني كيف جئت به إلى هنا؟ فقال له الثعلب: أنا قمت بعمل خدعة لأحضره هنا، فضحك الأسد وقال: يا لك من ثعلب ماكر.
جلست جميع الحيوانات تبكي على صديقهم الحمار الوحشي لموته، وفجأة قدم الثعلب ودخل عليهم وهو يتصنّع البكاء ويقول: يا له من أمر محزن إنّني قمت بتحذيره لأكثر من مرة أن لا بمشي لوحده في الغابة، فقال القرد: ولكن ليس من عادة الحمار أن يمشي بمفرده في أطراف الغابة فهو لا يعرف الطريق أصلاً، شعر الثعلب بالخجل والخوف وتغيّر لون وجهه وقال: كان يسير معي وسألني عن طريقة تنظيف المنزل فأخبرته، فقال القرد: ولكن منزل الحمار الوحشي نظيف جدّاً، تلعثم الثعلب وقال: ولكن أنا كنت أقصد منزلي أنا.
شعرت الحيوانات أن هذا الثعلب يكذب، وأن له يد بمقتل صديقهم الحمار الوحشي فابتعدت عنه، ولكنّه كان يريد اصطياد فريسة أخرى ولم يستطع ذلك، وعندما ذهب للأسد قال له وهو في جوع كاد يمزّق أمعائه: أين الفريسة التي وعدتني أن تصطادها؟ قال له الثعلب: أنا سأحضّر لك فريسة لذيذة وسأريك كيف سأستطيع فعل ذلك فهذا عملي.
لم يصدّق الأسد كلام الثعلب فانتظره زيارته في مرّة من المرات، وعندما دخل عليه ذات مرّة ابتسم له الأسد قائلاً: تفضّل لك أعددت لك احتفالاً وأغلق الباب خلفه، علم الثعلب أن الأسد يريد أكله فنظر له وقال: لقد قمت بخداعي أيها الأسد ألم أكن أحضر لك الفرائس؟ قال له الأسد: أنا الآن جائع ولم يعد لي معك أي مصلحة فأنت غير قادر على إحضار الفرائس، وليس أمامي طعام غيرك، وهل تستغرب أن أغدر بك؟ فأنت من غدرت صديقك الحمار من قبل، قال الثعلب وهو يلفظ الأنفاس الأخيرة: لقد نلت جزاء ما فعلت.