يُعتبر المؤلف والأديب جي دي موباسان وهو من مواليد دولة فرنسا من أشهر وأبرز الكُتاب الذين اشتهروا في كتابة القصص القصيرة على مستوى العالم، حتى أطلق عليه الكُتاب والأدباء أنه أحد أباء الأدب.
قصة في الريف
في البداية تدور وقائع وأحداث القصة في أحد الأماكن القريبة من النهر، حيث كان في تلك المنطقة تقطن عائلتين في مستوى متدني من الفقر، إذ لا يوجد لهم مصدر دخل يحصلان من خلاله على قوت يومهم وتأمين حياة عائلاتهم، كانت البيوت التي يعيشون فيها على شكل أكواخ، والأكواخ التي تعيش بهما العائلتين قريبين من بعضهم البعض.
العائلة الأولى تعرف باسم عائلة فالنس والعائلة الثانية تعرف باسم عائلة توفاسن، كانت كل من العائلتين لديها ما يقارب أربعة من الأطفال، حيث أنّ أعمار هؤلاء الأطفال تتراوح ما بين الست إلى الخامس عشرة سنة، وكان بجوار الأكواخ قطعة من الأرض يقوم كل من العائلتين بزراعة الأرض والاهتمام بها والحصول على منتوجها من أجل القدرة على تأمين لقمة العيش لأطفالهم وزوجاتهم.
في الفترة التي كان يهتم الأهالي بالأرض والزراعة كان الأبناء يمضون وقتهم في اللعب منذ الصباح الباكر حتى حلول وقت الغروب، كان هناك تشابه كبير بين ملامح الأبناء مما جعل كل أم تصعب عليها تمييز أبنائها من أبناء العائلة الأخرى، وجراء الجهد والعناء الذي يقومون به الآباء في الأرض كانوا لم يميزوا أسماء أبنائهم.
وفي أحد الأيام مرّ من أمام الكوخين سيارة فيها سيد وسيدة، حيث كان ذلك على وجه التحديد في يوم من أيام شهر أغسطس، إذ كانت في ذلك اليوم درجة الحرارة مرتفعة جداً، وبينما يلعبوا الأطفال سوياً أخذت السيدة التي تدعى دوبريه تحدق النظر في الأطفال وقالت مخاطبة زوجها الذي يدعى هنري: كم تمنيت لو أننا نملك مثل هؤلاء الأطفال الجميلين فما أجملهم وهم تغمرهم الفرحة والسعادة، وأثنت على أنها لو تتمكن من تقبيلهم جميعاً، وعلى وجه الخصوص طفل أثار إعجابها، لكن السيد هنري لم يأبه بما قالته زوجه وذهب من المكان بأكمله.
وبعد مرور فترة من الوقت عزمت السيدة على زيارة ذلك المكان الذي يقطن به الأطفال، فمنذ ذلك اليوم وصورة الأطفال لم تفارق خيالها، وعند وصولها إلى تلك المنطقة نزلت من السيارة وتوجهت للاختلاط مع الأطفال واللعب معهم، وقد كانت في تلك الزيارة قد أحضرت معها مجموعة من الخبز الطازج والكعك السخن ومزيد من الحلوى، واندمجت معهم لفترة، بينما زوجها لم يفكر حتى في مجرد النزول من السيارة إذ مكث فيها في انتظار زوجته لحين الانتهاء من زيارتها، ومنذ ذلك الوقت بدأت السيدة دوبريه بين الحين والآخر تتردد على الكوخين ورؤية الأطفال واللعب معهم باستمرار، وهذا ما أوصل العائلتين إلى التعرف على السيدة بشكل قريب، إذ بدأت السعادة تغمر العائلتين كونهما لا يوجد هناك أحد من الناس على مقربة منهم.
وفي إحدى المرات دخلت السيدة وزوجها إلى كوخ عائلة توفاسن، فرح الزوجان ولكن ملامح الفقر كانت تظهر على العائلة، فأخذ السيد توفاسن بانتقاء أصلح مقعدين وتقديمهم لهم، لكن كان أمر الزيارة مفاجئ ومدهش بالنسبة لعائلة توفاسن إذ يسوده نوع من الغموض، وبالفعل كانت الغاية من الزيارة هو أنّ السيدة طلبت منهم أن تتبنى طفلهم الذي يدعى شارلوت، وسألت إذا كان هناك مانع لديهم، لكن سرعان ما ردت عليها السيدة توفاسن باستنكار هل تريدين أخذ صغيري شارلوت مني؟.
حينها أخذ السيد هنري بالرد عليها بأنه غايته من ذلك أن يصبح شارلوت بعد فترة من الوقت الوريث الوحيد لعائلتهم، وأنه في حال أنجبوا أطفال في المستقبل فإنه شارلوت سوف يشاركهم في كافة الممتلكات والأموال، وعندما يصل شارلوت إلى السن القانوني وتم رفضه في الاستمرار معهم، فإنه سوف يقدمون له ما يقارب العشرين ألف فرنك، وهم أيضاً سوف تشملهم جراء ذلك تلقي راتب شهري مستمر لهم مدى الحياة مهما جرى.
هنا ثار الغضب لدى السيدة توفاسن وردت عليهم بقول: لم أعرض ابني للبيع ولن استبدله بكافة الأموال، وكان رأي زوجها في البداية يشوبه التردد، لكن بعد ذلك وافقها الرأي، وفي تلك اللحظة دخل عليهم طفل يشبه شارلوت إلى حد كبير، وهنا سألت دوبريه إذا ما كان هذا الولد ابنهم أيضًا، فأجابا: لا، بل هو ولد الجيران أسرعي واشتريه منهم.
خرج السيد هنري وزوجته وتوجها نحو الكوخ الثاني، حيث قدما ذات العرض على عائلة فالنس على ابنهم الذي يدعى جان، لكن ما كان مفاجئ للجميع هو موافقة الزوجان فوراً، ولكن السيدة فالنس طالبت بزيادة مبلغ الراتب الشهري إلى مئة وعشرين فرانك، لم يكن ذلك يعيق السيدة دوبريه وسرعان ما وافقت وأخرجت المبلغ من حقيبة يدها، وأخذت الولد وعقد زوجها اتفاق على التبني، وسارا بالطفل نحو منزلهم.
وعلى أثر ذلك أصبحت العلاقة بين أسرة فالنس وأسرة توفاسن متوترة إلى حد بعيد، ومن هنا بدأت أسرة توفاسن تعير أسرة فالنس على ما قامت به من بيع لطفلهم، ونشروا ذلك الخبر في جميع أنحاء المنطقة، لكن من هنا بدأت حياة جديدة لأسرة فالنس، فقد أصبحت تعيش في حياة راغدة، بينما بقيت حالة الفقر تسود أسرة توفاسن، ولكن السيدة فالنس كانت على الدوام تتفاخر بحياتها الجديدة طوال الوقت وتنكر أنها قامت بتسعير طفلها وبيعه.
وبعد مرور العديد من السنوات التحق الابن الأكبر للسيدة توفاسن بالجيش، بينما طفلها الآخر فقد مات جراء الإصابة بمرض خطير، أما عن شارلوت فقد بقي في القرية؛ من أجل أن يقوم بتقديم المساعدة لوالده الفقير والذي أصبح يرهقه التعب جراء رعايته لوالدته وأخته، حتى جاء اليوم الذي وصل إلى القرية شاب في مقتبل العمر يسوق أحد أنواع السيارات الفاخرة، وهنا وقف أمام كوخ عائلة فالنس، وقد كان هذا الشاب هو ذاته ابنهم جان فالنس الذي تبناه السيد هنري وزوجته.
وقد كان في ذلك الوقت بات جان ذلك الشاب المهيوب والذي يعمل في مهنة المحاماة، فقد رجع مرة أخرى من أجل رؤية والديه اللذان غمرتهم السعادة العارمة، وقد طلبا منه أن يمكث معهم بضعة أيام، وذاعا الخبر في كافة أنحاء القرية عن عودة ابنهم المحامي الوسيم، وحين شاهد شارلوت ما وصل إليه حال جان، أسرع إلى والداه الفقيرين وبدأ يلوم بهم، فردت عليه والدته أنها لم تقبل أن تفرط فيه على الاطلاق، وكانت المفاجئة هي ردة فعل شارلوت أن اتهمهم بالأنانية، وأنهم السبب في حرمانه من العيش الكريم ليصبح شخص مرموق، بدلاً من العيش في حياة الفقر، وأقرّ بأنه لن يسامحهما مدى الحياة، وأنه سوف يغادر هذا الكوخ وتلك المنطقة إلى الأبد، وهرب شارلوت من البيت وسار بعيدًا واختفى تماماً في الظلام.