تُعتبر هذه القصة من روائع الأدب الصادرة عن الأديبة كاثرين مانسفيلد، وقد تطرقت من خلالها للحديث حول سيدة تمتلك كل شيء في الحياة من العيش الكريم، إلا أنها سيطرت عليها الغيرة من فتاة فقيرة، وقد دفعت بها تلك الغيرة إلى تغيير رأيها فيما يخص بمساعدتها.
قصة قدح من الشاي
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الفتيات الباهرة وتدعى روزماري، ولم تكن تلك الفتاة جميلة كهذا الجمال العادي والبسيط، وإنما كانت تتميز بجمال باهر، وكل من يراها قال تلك من أجمل الفتيات على وجه الكرة الأرضية، ولكن كما كانت تتميز بذلك الجمال الحاد، ولكن كان غضبها وقسوتها في حال خاصمها أحدهم كذلك حاداً جداً، إلى الحد الذي يمكن لأحد أن يقوم بتقطيع نفسه من أجل التخلص من عذابها، وفوق ذلك كله كانت ذات نظرة ثاقبة وذكية ومحيطة بكل العلوم وتبهر الجميع من حولها بأناقتها العصرية.
كانت روز متزوجة من شاب يحبها حبًا عظيماً، كما أنها هي وزوجها يمتلكان الكثير من الأموال والممتلكات والمدخرات، وكل ما أرادت أن تبيع شيء توجهت نحو مدينة باريس، ولو أرادت أن تشتري شيء وقفت أمام أفخم المحلات من أهم الشوارع الشهيرة والذي يعرف بسم شارع ريجنت.
وفي يوم من أيام فصل الشتاء ذهبت روز إلى إحدى المحلات التي تُعتى ببيع التحف الأثرية؛ وذلك لأنها رغبت في شراء شيء من هذا النوع، وأكثر ما كان يعجبها في ذلك المحل هو المبالغة التي كان يتميز بها صاحب المحل في الترحيب بها والعزم على خدمتها، حتى أنه كاد لا يقوى على النطق في البداية من شدة احترامه لها وإعجابه بها، وأول ما بدأ به صاحب المحل هو كعادته يشرح لها عن إحدى القطع الأثرية بصوت كله هدوء وحركات نابعة من الاحترام ويقول: إني أفضل أن لا أبيعها أبداً على أن أبيعها لشخص لا يقدر قيمتها الحقيقية، ثم أخذ نفس عميق وتناول تلك العلبة من القطيفة الزرقاء ووضعها أمامها على المنضدة، وقد كانت تلك القطعة يحتفظ بها ولم يعرضها على أحد غيرها؛ وذلك لندرتها وإبداع ودقة صنعها.
وفي تلك اللحظات أخرجت السيدة يدها من القفاز من أجل تتفحص العلبة بنفسها، حيث أنها أعجبت بها جداً، كما كان يبدو عليها أنها سوف تقتنيها، وهنا حينما وضعت يديها إلى جانب القطيفة الزرقاء لاحظ جمال يديها، إلى الحد الذي لاحظ به ذلك البائع كذلك، وحينها قام بمد يديه وهي تحتوي على وردة متوهجة، وهنا قال للسيدة: لو سمحت لي يا سيدتي شاهدي حينما تضعي تلك الأزهار على غطاء العلبة كم تبدو جميلة.
وهنا أبدت السيدة إعجابها بشكل كبير وسرعان ما تساءلت حول ثمنها فأجابها ثمانية وثلاثون جنية يا سيدتي، وحينما سمعت بذلك الثمن اضطربت وتوجهت بنظرها نحو إبريق شاي وحدقت به، وبعد لحظات قالت: حسنًا أيمكنك أن تحتفظ بها لي، ومن ثم خرجت من المحل وأوصدت ورائها الباب، ومن ثم تأملت الجو الماطر وقد بدأ الظلام يخيم وأشتد البرد القارس.
وفي ذلك الوقت يبدو أنها شعرت بألم غريب، ولهذا قامت بوضع قفازها نحو صدرها، وكل ما تتمناه في تلك اللحظة أن تكون العلبة الصغيرة بحوزتها، ثم بعد ذلك نظرت إلى سيارتها التي حينها تنتظرها بالخارج، وفي تلك الأثناء كل ما تفكر فيه هو أن تتوجه نحو منزلها واحتساء الشاي، ولكن في لحظة قدمت إليها فتاة نحيلة الجسد وقفت إلى جانبها وأصدرت صوت يشبه إلى حد كبير الأنين، ثم قالت للسيدة: أيمكنني أن أتحدث إليك للحظات بسيطة يا سيدتي، وهنا توجهت لها بنظرة حادة وقالت روز: أتتحدثين معي أنا؟ وإذ بها تشاهد مخلوق صغير يرتعش من شدة البرد، فقالت الفتاة: يا سيدتي أسالك ثمن قدح من الشاي.
ولما كان في ذلك الصوت البريء من بساطة وإخلاص ووفاء، لا يمكن أبداً أن يجتمعان بصوت متسول، وهنا توجهت لها روزماري بسؤال وقالت: إذن لا تمتلكين النقود أبدًا، فقالت الفتاة المسكينة: أبدًا يا سيدتي، وهنا تنهدت روزماري وقالت: يا للعجب، وتوجهت نظرها للظلام، بينما حملقت الفتاة في وجه روزماري، وبشكل مفاجئ أخذت روزماري بتصور مغامرة تشبه شيئًا من رواية الأديب ديستويفسكي، ومن فكرت في أن تصحب الفتاة إلى منزلها، ولكنها تسألت للحظة ماذا يحدث لو فعلت شيء ما، إذ لطالما طالعت في الكتب والروايات والقصص أنه سوف يكون شيء رائع، وانتهى بتفكيرها بقولها لها: تعالي معي إلى منزلي وهناك تتناولين الشاي معي.
وحينما سمعت الفتاة بذلك صعقت من ذلك العرض المدهش هذا، وقد ارتعشت من شدة الارتباك، وهنا مدت روزماري يدها ولمست ذراع الفتاة وقالت وهي تعتريها الابتسامة: أنا متأكدة مما أقول، فأجابت الفتاة بصوت مفعم بالحزن والألم: إنك لا تقصدين ما تقولين يا سيدتي، وهنا انزعجت روزماري من تكرار السؤال عليها وصاحت بالفتاة قالت: ولكني جادة فأنني أرغب باصطحابك إلى منزلي أرجوك، ثم قالت الفتاة: من المؤكد أنك سوف تصحبيني للشرطة، فردت عليها السيدة: لم تبلغ قسوتي هذا الحد، فكل ما أريد أن أؤمن لك الدفء وأسمع منك بعض الأحاديث.
وأول ما دخلت الفتاة إلى سيارة السيدة امتلأت السيدة بالفرح والسرور، وأول ما وصلت بها إلى المنزل أخفتها عن أنظار الخدم وسارت بها نحو كرسيها المريح أمام الموقد، وهنا صاحت بها وقالت: اجلسي على المقعد المريح، فقالت الفتاة: لا يمكنني ذلك، فقالت لها السيدة: أرجوك لا تخافين مني، فحينما تبدلين ثيابك المبتلة سوف نذهب إلى الغرفة المجاورة لنحتسي الشاي.
وهنا لم يصدر عن الفتاة أي رد فعل مزعجة للسيدة، إذ بقيت يداها إلى جانبها وفمها مفتوح، ولكن حينما طلبت لها السيدة الشاي انفجرت الفتاة بالبكاء، فقالت لها السيدة: كفي عن البكاء، وبعدها وضعت السيدة الشاي على الطاولة وأحضرت لها الشطائر والخبز والزبد، وبدأت السيدة بسؤال الفتاة حول متى أخر مرة تناولت بها طعام، وقبل أن تجيب الفتاة دخل زوجها وأخذ بتحديق نظره نحو الفتاة وقال: أنا أعتذر لأزعجكما، وهنا قالت السيدة: لا داعي للاعتذار هذه صديقي الآنسة سميث.
وفي النهاية طلب الزوج الحديث إلى السيدة على انفراد، وأول ما سألها عن تلك الفتاة سخرت منها وقالت التقطتها من الشارع، فقال الزوج: يبدو أنها جميلة للغاية، وهنا سرعان ما ذهبت إليها السيدة وقدمت لها ما قيمته خمس جنيهات وطلبت منها المغادرة غيرة منها على زوجها، وحين سأل الزوج عنها قالت: إنها أصرت على الذهاب.