قصة قصيدة أبعد بياض الشعر أعمر مسكنا:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أبعد بياض الشعر أعمر مسكنا” فيروى بأنه في يوم من الأيام توجه سبط ابن الجوزي إلى بيت ابن قدامة الأندلسي، وطرق عليه بابه، فخرج إليه، وعندما رآه ابن قدامة رحب به خير ترحاب، وأدخله، وأجلسه في المجلس، وأخذا يتحدثان، وبينما هما يتحدثان، قال سبط ابن الجوزي لابن قدامه: أريد أن أسمع شيئًا من شعرك، فأنشده ابن قدامة قائلًا:
أبعد بياض الشعر أعمر مسكنا
سوى القبر إني إن فعلت لأحمق
يخبرني شيبي بأني ميت
وشيكاً وينعاني إلي فيصدق
تخرق عمري كل يوم وليلة
فهل مستطيع رفق ما يتخرق
كأنّي بجسمي فوق نعشي ممدداً
فمن ساكت ومعول يتحرق
إذا سئلوا عني أجابوا وأعولوا
وأدمعهم تنهل: هذا الموفق
وغيبت في صدعٍ, من الأرض ضيق
وأودعت لحداً فوقه الصخر مطبق
ويحثوا علي الترب أوثق صاحب
ويسلمني للقبر من هو مشفق
فيا رب كن لي مؤنساً يوم وحشتي
فإني لما أنزلته لمصدق
وما ضرني أنّي إلى الله صائر
ومن هو من أهلي أبر وأرفق
ومن ثم أنشد قائلًا:
أتغفل يا ابن أحمد والمنايا
شوارع تختر منك عن قريب
أغرك أن تخطئك الرزايا
فكم للموت من سهم مصيب
كؤوس الموت دائرة علينا
وما للمرء بد من نصيب
كأنك قد لحقت بهم قريبا
ولا يغنيك إفراط النحيب
نبذة عن ابن قدامة المقدسي:
هو موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة بن مقدام، العدوي، القرشي، المقدسي، الجماعيلي، ثم الدمشقي، الصالحي، وهو واحد من أئمة المذهب الحنبلي، ألف أحد أكبر كتب الفقه في المذهب الحنبلي وهو كتاب المغني، ولد في عام خمسمائة وواحد وأربعون للهجرة بالقرب من مدينة نابلس.
حفظ القرآن الكريم قبل أن يصل إلى سن البلوغ، وتعلم أصول الدين، وأخذ علمه من كبار مشايخ دمشق واعلامها فنبغ، ومن بعد ذلك سافر إلى بغداد هو وابن خالته الحافظ عبد الغني المقدسي، وأقام هنالك أربع سنوات يدرس هو وابن خالته على أيدي شيوخها. ومنهم عبد القادر الجيلاني وابن الجوزي وعاد إلى دمشق.
توفي في عام ستمائة وعشرون للهجرة في دمشق في سوريا.