قصة قصيدة أتاني نجي بعد هدء ورقدة
أمّا عن مناسبة قصيدة “أتاني نجي بعد هدء ورقدة” فيروى بأنه في يوم من الأيام دخل رجل يقال له سواد بن قارب السدوسي إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال له أمير المؤمنين: سألتك الله يا سواد هل تجيد اليوم من كهانتك أي شيء؟، فقال له سواد: سبحان الله، والله ما رأيتك من قبل تستقبل أحدًا من جلسائك كما استقبلتني الآن، فقال له أمير المؤمنين: سبحان الله، والله إن ما كنا فيه قبل إسلامنا لهو أعظم ممّا كنت أنت عليه في كهانتك.
ثم أكمل الخليفة قائلًا: وإنّه قد بلغني عنك حديث عجيب، فأكد سواد على كلامه قائلًا: فعلًا يا أمير المؤمنين، فطلب منه الخليفة أن يخبره به، فقال له: بينما أنا جالس في ليلة من الليالي إذ دخل علي نجي، وضربني برجله، ومن ثم قال لي: اسمع ما أقل لك، فقلت له: أسمعني، فأنشد قائلًا:
عجبتُ للجنّ وأنجاسها
ورحلها العيس بأحلاسها
نبغ إلى مكَّة نبغي الهدى
ما مؤمنوها مثل أرجاسها
فارحل إلى الصّفوة من هاشمٍ
واسمُ بعينيك إلى رأسها
ثم أكمل سواد قائلًا: فنمت ولم أنتبه لما قال لي، ولم أعره أي انتباه، وفي الليلة التالية، أتاني وضربني برجله، ثم قال لي: أسمع مني ما أقل لك، فقلت له: أسمعني، فأنشدني قائلًا: قال:
عجبت للجنّ وتطلابها
ورحلها العيس بأقتابها
تهوى إلى مكَّة تبغي الهدى
ما صادف الجنّ ككذَّابها
ثم أكمل سواد: وقد تحرك في داخلي شيء لما سمعته منه، ولكنّي وعلى الرغم من ذلك نمت، وفي الليلة التالية أتاني وفعل مثل ما فعل في الليلتين السابقتين، وقال لي: اسمع ما أقل لك، فقلت له: أسمعني، فأنشدني قائلًا:
عجبت للجنّ وأخبارها
ورحلها العيس بأكوارها
تهوى إلى مكَّة تبغي الهدى
ما مؤمنوها مثل كفَّارها
فارحل إلى الصّفوة من هاشمٍ
بين روابيها وأحجارها
ثم أكمل سوادة قائلًا: وعندما سمعت منه ذلك، علمت بأن الله يريد بي خيرًا، فقمت إلى ناقتي وركبتها، وتوجهت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، ودخلت عليه، فعرض علي الإسلام، وأسلمت، وأخبرته بخبر ما حصل لي، فقال لي: “إذا اجتمع النَّاس فأخبرهم”، وعندما اجتمع الناس قمت وأنشدتهم:
أتاني نجيُّ بعد هدْءٍ ورَقدةٍ
ولم يكُ فيما قد تلوت بكاذبِ
ثلاث ليالٍ قَوله كلّ ليلةٍ
أتاك رسولٌ من لُؤي بن غالبِ
فشمَّرت عن ذَيْلي الإزار وأدلجت
بي الذعلبُ الوجناءُ غُبر السَّباسبِ
فأعلم أنَّ الله لا ربَّ غيرهُ
وأنَّكُ مأمون علَى كلِّ غائبِ
وأنَّك أدنَى المرسلينَ وسيلةً
إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايبِ
فمُرْنا بما يأتيك يا خير مرسلٍ
وإنْ كانَ فيما حال شيب الذوائبِ
فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعةٍ
سواك بمغنٍ عن سواد بن قاربِ
ففرح المسلمون بذلك.
نبذة عن سواد بن قارب السدوسي
هو سواد بن قارب سدوسي من بني سدوس، وكان يتكهن في الجاهلية وكان شاعرًا ثم أسلم.