قصة قصيدة أذكى القلوب أسى أبكى العيون دما
أمّا عن مناسبة قصيدة “أذكى القلوب أسى أبكى العيون دما” فيروى بأنّ أبي بكر بن اللبانة كان شاعر المعتمد بن عباد وصديقه وجليسه ونديمه، وفي يوم من الأيام وبينما هو يتمشى في أسواق الأندلس، رأى واحدًا من احفاد الملك الأسير والذي كان يلقب بفخر الدولة، وقد كان هذا الغلام يعمل عند احد الصاغة في السوق، فرآه وهو ينفخ النار في القصبة لكي يذيب الذهب، وكان ذلك بعد أن زال ملك بني عباد، فحزن لما رآه حزنًا شديدًا، وأنشد قائلًا:
أذكـى القـلوب أسى أبكىالعيون دماً
خــطـبٌ وجـدنـاك فـيـه يـشـبـه العـدمـا
افـراد عـقـد المـنـى مـنّا قد انتثرت
وعـقـد عـروتـنـا الوثـقـى قـد انفصما
شـكـاتـنـا فـيـك يـا فـخر العلى عظمت
والرزء يــعــظـم فـيـمـن قـدره عـظـمـا
طــوقــت مـن نـائبـات الدهـر مـخـنـقـة
ضــاقــت عـليـك وكـم طـوقـتـنـا نـعـمـا
وعـــاد كـــونـــك فـــي دكــان قــارعــة
مـن بـعـد مـا كـنـت في قصر حكى ارما
صـــرفـــت فـــي آلة الصـــواغ أنــمــلة
لم تـدر الا النـدى والسيف والقلما
يَــدُ عــهــدتــك للتــقـبـيـل تـبـسـطـهـا
فــتــســتـقـلّ الثـريـا أن تـكـون فـمـا
يـا صـائغـاً كـانـت العـليـا تـصاغ له
حـليـاً وكـان عـليـه الحـلي مـنـتـظـما
وأنشد أيضًا قائلًا:
للنـفـخ فـي الصـور هول ما حكاه سوى
هــول رأيـنـاك فـيـه تـنـفـخ الفَـحَـمَـا
وددت اذ نــظــرت عــيــنــي اليــك بــه
لو أن عـيـنـي تـشـكـو قـبـل ذاك عـمـى
مــا حــطَــك الدهــر لمـا حـطّ مـن شـرف
ولا تــحــيــف مــن أخــلاقــك الكـرمـا
لُح في العلى كوكباً ان لم تلُح قمراً
وقــم بــهـا ربـوة ان لم تـقـم عـلمـاً
واصــبــر فــربــتــمـا أحـمـدت عـاقـبـة
مـن يـلزم الصـبـر يـحـمد غبّ ما لزما
واللَه لو أنـصـفـتـك الشـهـب لانكسفت
ولو وفــي لك دمـع المـزن لانـسـجـمـا
بــكــى حـديـثـك حـتـى الدر حـيـن غـدا
يـحـكـيـك رهـطـاً والفـاظـا ومـبـتـسـما
وروضــة الحــسـن مـن ازهـارهـا عـريـت
حـزنـاً عـليـك لأن اشـبـهـتـهـا شـيـمـا
لقد كانت هذه الحادثة من الحوادث التي أحدثت جرحا عميقا في قلبه، و أفاضت سيول الدموع من أعينه، و هو يرى هذا الغلام و قد أحاطه الدهر بالكثير من المصائب و النوائب، فيتحول من حرفة الملك إلى حرفة الصياغة.
نبذة عن الشاعر ابن اللبانة
هو أبو بكر محمد بن عيسى بن محمد اللخمي الداني، من الشعراء الأندلسيين، وقد عاش في القرن الخامس الهجري، وقد كان واحدًا من اهم الشعراء في عصره، حيث كان مقربًا من ملوك الطوائف، وكان كثير المدح لهم في قصائده، خصوصًا الملك المعتمد بن عباد،