قصة قصيدة ألا رب صوت رائع من مشوه
أمّا عن مناسبة قصيدة “ألا رب صوت رائع من مشوه” فيروى بأن أبو زيد الأسدي دخل في يوم من الأيام على الخليفة سليمان بن عبد الملك بن مروان وهو في مجلسه، وكانت الشمس قد غابت، فقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فالتفت الخليفة إلى أبي زيد وقال له: هل تذكر في مثل هذا حينما تصاحبنا، فقال له: نعم يا مولاي، فقال له الخليفة: ما الذي يطيب في هذا اليوم؟، فقال له أبو زيد: قهوة حمراء في كأس بيضاء، تناولني إياها جارية رشيقة الخصر، تشربني إياها من يدها.
فقال له الخليفة: إنك قد جئتني في يوم انتهاء حياتك، وانقضاء أجلك، فإني سوف أضرب لك عنقك إن لم تخبرني ما خبر هذه الصفة عندك؟، فقال له: أصلح الله أمير المؤمنين، كنت في مجلس سعيد بن عبد الملك أخيك، وبينما أنا خارج من القصر، كانت جارية خارجة من هنالك أيضًا، وكانت كأنها غزال هربت من شبك صياد، وكانت تقول: يا عباد الله، من عنده دواء ما لا يشتكى، وعلاج ما لا يسمى؟، فطال الوقت من دون أن يأتيها جواب، فقلت لها: هل أنت من الإنس أم من الجان؟، هل أنت من السماء أم من الأرض؟، فقد أعجبت بذكائك، وأذهلني حسن منطقك، فغطت وجهها بكمها، وكأنها لم تبصرني، ثم قالت لي: اعذرني يا أخي، فما أوحش الساعد بلا مسعد، ثم انصرفت، ووالله لم آكل طعامًا من بعد ذل اليوم، إلا وغصصت به لذكرها، فقال له سليمان: اعلم أن من رأيت هي الذلفاء التي قال فيها الشاعر:
إنما الذلفاء ياقوتة
أخرجت من كيس دهقان
اشتراها أخي بألف ألف درهم، وهي تعشق الرجل الذي باعها له، فاصبر، لعل الصبر يكون لك عون، قم في حفظ الله، وأمر له بعشرة آلاف درهم، وبعد مدة من الزمان أصبحت هذه الجارية ملكًا لسليمان بن عبد الملك، فخرج معها في يوم إلى بستان ، وأمر مغن له يقال له سنان أن يعزف، فأخذ يغني، واستمر في العزف طوال اليوم.
ونزل جماعة عليه وهو في ذلك البستان، وقالوا له: نريد قرى، فقال لهم: وما هو قراكم؟، فقالوا له: أكل وشراب، واستماع إلى صوت مغنيك، فقال لهم الخليفة: كلوا واشربوا ما تريدون، ولكن أن تستمعوا إلى غناءه فذلك لا، فقالوا له: إنا لا نريد طعامك وشرابك إن لم نسمعه، فقال لهم: حسنًا، ولكن اختاروا صوتًا واحدًا يغنيه لكم، فقالوا له: غننا هذه الأبيات، وذكروها له، فأخذ يغني قائلًا:
محجوبة سمعت صوتي فأرقها
من آخر الليل لما نبه السحر
لم يحجب الصوت أحراس ولا غلق
فدمعها لطروق الصوت منحدر
لو مكنت لمشت نحوي على قدم
تكاد من لينها في المشي تنفطر
فسمعت الجارية صوته، واقتربت تستمع، وتحرك قلبها، وأخذت تبكي، فانتبه الخليفة إلى خروجها، وخرج ورائها، ووجدها على هذه الحال، فسألها عما بها، فأجابته قائلة:
ألا رب صوت رائع من مشوه
قبيح المحيا واضع الأب والجد
يروعك منه صوته ولعله
إلى أمة يعزى معا وإلى عبد
فقال لها الخليفة: دعيني من ذلك، وأمر خادمه أن يلحق بسنان ويحضره، وبعثت هي الأخرى بخادم، ووعدته بعشرة آلاف درهم إن سبق خادم الخليفة، ولكن خادم الخليفة سبق إليه، وأحضره للخليفة، وعندما وقف بين يديه، قال له الخليفة: ألم أنهك عن فعل هذا؟، فقال له: لقد دفعني لذلك حلمك، وإن رأيت أن تعفو عني فلتفعل، فعفا عنه الخليفة، وأمره بأن لا يعود إلى ما كان منه.
نبذة عن الجارية الذلفاء
الذلفاء جارية ابن طرخان مغنية شاعرة، اشتراها سليمان بن عبد الملك بعد أن أصبح خليفة.