قصة قصيدة ألا ما لعينك مطروفة:
أمّا عن مناسبة قصيدة “ألا ما لعينك مطروفة” فيروى بأنه في يوم كان جماعة في مجلس أبي عكرمة الضبي، وكان أبو عكرمة من أعرف الناس بالشعر، وبينما هم جالسون، قال لأبي عكرمة رجل من الجالسين: والله إنّي لا أرى أنّ هنالك قصيدة تصف الحرب كقصيدة قيس بن الخطيم التي قال فيها:
أتعرف رسمًا كاطِّراد المذاهب
لعَمْرةَ وحشًا غيرَ موقفِ راكب
فقال له أبو عكرمة : والله إنّك لا تعلم شيئًا، وإن ما قلته غير صحيح، فقال له الجالسون: وما هي أفضل قصيدة تصف الحرب يا أبا عكرمة؟، فقال لهم: هما قصيدتنان، الأولى قصيدة الربيع بن زياد، وأنشدها لهم، أما الأخرى فهي قصيدة ابن أحمر السعدي، وأنشدها لهم، فوقف أحدهم، وقال له: وما هي أطبع قصيدة للعرب، وأحسنها كلامًا، وأكثرها ماءً، فقال له: يا أخي، إنك والله قد أطلت، وسوف أنشد عليك القصيدة التي طلبتها، ولكني أعاهد الله أن لا أخبرك من قالها، فوافق الرجل، ومعه الجالسون، فأنشد أبو عكرمة قائلًا:
ألا ما لعينك مطروفة
بذكر الخيال الذي زارَها
لذكر خيال سرى مَوْهنًا
فهاج على العين عُوَّارَها
تجاوز نحويَ هول النُّجود
وسهل البلاد وأوعارها
فبت به جذِلاً ليلتي
إلى أن تبيَّنتُ أسحارها
فلما انتبهت وجدت الخيال
أماني نفس وتذكارها
وفاض من العين مُغْرَوْرِقٌ
من الدمع ألْثَقَ أشفارها
لذكر التي دون أبياتها
تَنَائفُ تقطع مُزدارها
وساجٍ من البحر مغرورق
يُنَهْنِهُ دونِيَ أخبارها
نَزُورُ الكلامِ ، قطيع القيام
لم يُظلم الهمُّ أسهارها
ولم تَشْتُ في صَرْمة بالغضا
ولا الحزنِ تنظر مَيَّارها
كأن سُخاميةً عُتِّقتْ
ثلاثين حولا وأعصارها
وعندما سمع الجالسون القصيدة، أعجبوا بها، وحاولوا كل جهدهم أن يقول لهم من قالها، ولكنه لم يفعل، وقبل أن يموت، أتاه رجل ممن كان جالس معه في يومها يقال له صعودا محمد بن هبيرة الأسدي، وكان أبو عكرمة قد أرسل في طلبه لكي يكتب له وصيته، وعندما دخل صعودا إليه، قال له: والله إني منذ سمعت بتلك القصيدة، وأنا أريد أن أعرف من الذي قالها، وإني أناشدك الله أن تقول لي من هو قبل أن تموت، فضحك ابن عكرمة، وقال له: لقد كنت أعتقد بأنك على قدر من العقل لكي تكتب وصيتي، أما الآن فإني أراك من دون عقل، فضع الوصية من يدك، وقم، ومات من دون أن يخبر أحدًا عمن قال هذه القصيدة.