قصة قصيدة أما الحبيب فقد مضى
أمّا عن مناسبة قصيدة “أما الحبيب فقد مضى” فيروى بأن معظم أخبار الجارية عريب كانت مع الخلفاء والوزراء وقادة الجيوش وكبار رجال الدولة، إلا أن معظم القصائد التي أنشدتها كانت في رجلين اثنين، أحدهما خادم يقال له صالح المنذري، وقد أحبته وتزوجت منه، وبقيت زوجة له لبعض الوقت، أما الآخر فهو محمد بن حامد الخاقاني، وهو أحد قادة الجنود في خراسان.
أمّا بالنسبة للمنذري الخادم، ففي يوم من الأيام قام الخليفة المتوكل بإرساله إلى مكان بعيد، فأنشدت عريب شعرًا في خبر ذلك، وصاغت لهذا الشعر لحنًا، وغنته، فقالت:
أما الحبيب فقد مضى
بالرغم مني لا الرضا
أخطأت في تركي لمن
لم ألق عنه عوضا
وأما بالنسبة لمحمد بن حامد الخاقاني الذي كان رجلًا وسيمًا، فأنشدت عريب شعرًا تتغزل فيه وفي جماله، وفي هذا الشعر قالت:
باب كل أزرق
أصهب اللون أشقر
جن قلبي به
وليـس جنوني بمنكر
ومرة أخرى تكتب إليه تشكو ما أصابها في بعده عنها، وتصف ولوعتها وبكائها فتقول:
تبينت عذري وما تعذر
وأبليت جسمي وما تشعر
ألفت السرور وخليتني
ودمعي من العين ما يفتر
ويبدو أن عريبًا كانت صادقة في عواطفها تجاه محمد بن حامد، فالشعر الذي كانت تقوله فيه يحمل سمات الشكوى والصبابة، وما يؤكد ذلك أنها حاولت جاهدة أن تبرئ نفسها من تهمة الخيانة التي اتهمها بها في يوم من الأيام، بعد أن سمع أحاديث بين الجواري عن خيانتها له، ولو أنها لم تكن صادقة في حبها له، ولم تكن تحمل له مودة فيها صدق واهتمام، لما اهتمت بأن تبعد عن نفسها تلك التهمة، مهما كانت كاذبة، وفي محاولة منها لتبرئة نفسها من تلك التهمة، أرسلت له أبياتًا من الشعر قالت فيها:
ويلي عليك ومنكا
أوقعت في الحق شكا
زعمت أني خؤون
جورا علي وأفكا
إن كان ما قلت حقا
أو كنت أزمعت تركا
فأبدل الله ما بي
من ذلة الحب نسكا
نبذة عن عريب
هي عريب جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي المأمونية، جارية من جواري العصر العباسي، ولدت في مدينة بغداد في العراق، يروى بأنها ابنة الوزير جعفر البرمكي، ومن حررها من العبودية هو أبو إسحاق المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد، وكانت المغنية المفضلة عند أبو جعفر عبد الله المأمون.