قصة قصيدة أيها الشامت المعير بالدهر
لا ينفع الرجل ماله وملكه في هذه الحياة، وإنما ينفع الرجل أعماله الصالحة التي يعملها، وقصتنا اليوم ما هي إلا عبرة ونصيحة من أحد أتباع ملك من الملوك، لم ينافقه، ولكنه دله على الطريق الصحيح.
أما عن مناسبة قصيدة “أيها الشامت المعير بالدهر” وفد خالد بن صفوان إلى الخليفة هشام بن عبد الملك بن مروان وهو في العراق، وعندما وصل إليه وجده قد خرج ومعه خدمه وحشمه وجلسائه، وهو في أرض يقال لها صحصح، في عام ربيعه أخضر، وقد أخرجت الأرض زينتها، وهو جالس في وسط أرض خضراء، فخرج إليه خالد، واستأذن للجلوس معه، فأذن له الخليفة، فجلس خالد، وقال للخليفة: يا أمير المؤمنين، والله إني لا اجد خبرًا أفضل من خبر من كان قبلك من الملوك، فإن سمحت لي أخبرتك به، فأذن له الخليفة، فقال: يا مولاي، لقد خرج ملك في عام مثل عامنا هذا مع جلسائه، وجلسوا في أرض مثل هذه الأرض، وقال لهم: لمن كل هذا؟، فقالوا له: لك يا مولانا، فقال: فهل تعرفون أحدًا أعطي مثل هذا؟، فقالوا له: لا والله، إلا رجل من الحكماء، حيث قال له: يا مولاي، ما أنت فيه هل أنت صنعته أم ورثته؟، وهل سيدوم لك، أم سيزول عنك ويصبح لغيرك؟، فقال له الملك: هو كذلك.
ومن ثم أكمل خالد قائلًا: فإني أراك قد أعجبت بشيء يسير، ولكنك لن تبقى فيه إلا قليلًا، ويكون غدًا عليك حساب، فاقشعر الملك وقال له: ويحك، فإلى أين الهروب، وما هو المطلب؟، فقال له: إما أن تعمل بملكك بطاعة الله على ما ترضى وما لا ترضى، وإما أن تترك ملكك، وتعبد ربك، فقال له الملك: سوف أفكر الليلة وأرد عليك في الصباح، وفي اليوم التالي قال الملك لصاحبه: لقد اخترت هذا الجبل، ووضعت تاجي، فإن كنت لي رفيقًا فلا تفارقني، وبقيا في الجبل حتى توفيا، وهو الذي يقول فيه عدي بن زيد العبادي:
أَيُّها الشَّامِتُ الُمعَيِّرُ بالدَّهرِ
أَأَنتَ الُمبرَّأُ الَموفورُ
أَم لَدَيكَ العَهدُ الوَثيقُ مِنَ الأَيَّامِ
بَل أَنتَ جاهِلٌ مَغرورُ
مَن رَأَيتَ الَمنُونَ خَلَّدنَ أَم مضن
ذا عليهِ مِن أَن يُضامَ خَفيرُ
أَينَ كسرَى كِسرَى الُملوك أَنُ
شُروانَ أَم أَينَ قَبلَهُ سابورُ
يقول الشاعر في هذه الأبيات بأنه لا يدوم ملك لصاحبه، ولو دام لأحد لدام لكسرى وشروان وسابور.
وَبنثو الأَصفرِ الُملوكِ مُلوكُ الرُّومِ
لَم يَبقَ مِنهُمُ مَذكورُ
وأَخُو الَحضرِ إذ بَنَاهُ وإذ دِجلَةُ
تُجبَى إليهِ والخابورُ
شادَهُ مَرمَراً وخَلَّلَهُ كِلساً
فِللطَّيرِ في ذُراهُ وُكورُ
لَم يَهَبهُ رَيبُ الَمنُونِ فَبادَ المُلكُ
مِنهُ فبابُهُ مَهجُورُ
وتَأَمَّل رَبَّ الَخَورنَقِ إذ أَشرَفَ
يَوماً وللهُدَى تَفكيرُ
سَرَّهُ مالُهُ وكَثرَةث ما يَملكُ
والبحَرُ مُعرضاً والسَّديرُ
فبكى هشام بن عبد الملك حتى ابتلت لحيته، وعاد إلى قصره، ولزمه.
نبذة عن عدي بن زيد
هو عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس العبادي، شاعر من شعراء العصر الجاهلي، وهو أحد دهاة العرب، عاش في الحيرة.
الخلاصة من قصة القصيدة: جلس خالد بن صفوان في يوم من الأيام مع الخليفة هشام بن عبد الملك، وقص عليه قصة ملك كان ملكه كبير، وكان يتفاخر بملكه، حتى نصحه أحد أتباعه.