قصة قصيدة إن وصوني فناحل الجسد

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة إن وصوني فناحل الجسد

أمّا عن مناسبة قصيدة “إن وصوني فناحل الجسد” فيروى بأنه في يوم من الأيام كان الخليفة المتوكل على الله في مجلسه، وكان عنده رجل يقال له محمد بن يزيد المبرد، وبينما هما جالسان يتبادلان أطراف الحديث، طلب الخليفة من أبو العباس أن يخبره بما حصل بينه وبين الفتح بن خاقان في تفسير آية، واختلاف الناس في قراءتها، فذكر له محمد بن مبرد ما حصل، وعندما سمع الخليفة ما حصل ازدادت مكانة محمد عنده، فأمر بأن يبعثوا بكتاب إلى محمد بن القاسم، وهو والي البصرة، بأن محمد بن المبرد سوف يأتيه، وبأن عليه أن يكرمه.

فخرج من عند الخليفة، وخرج من بغداد متوجهًا إلى البصرة، وبينما هو في الطريق، مر هو وصاحب له إلى دير، قيل له بأن فيه مجانين، ودخلوا إلى الدير، فاقترب منهم أحد المجانين، فقال له: ما الذي جاء بك إلى هنا، وأنت لا يبدو عليك بأنك مجنون؟، فأخذ المجنون ينشد قائلًا:

إِنْ وَصَفُوني فَنَاحِلُ الجَسَدِ
أَو فَتَّشُوني فَأَبْيَضُ الكَبِـدِ

أَضْعَفَ وَجْدي وَزادَ في سَقَمي
أَنْ لَسْتُ أَشْكُـو الهَـوَىٰ إِلىٰ أَحَــدِ

وَضَعتُ كَفِِّـي عَلىٰ فُـؤاديَ مِنْ
حَـرِِّ الأَسَىٰ وَانْطَوَيْتُ فَـوْقَ يَـدي

آهٍ مِـنَ الحُـبِّ آهِ مِـنْ كَبِـدي
إِنْ لَـمْ أَمُـتْ في غَـدٍ فَبَعـدَ غَــدِ

كَـأنَّ قَلْبي إِذا ذَكَرتُهُـمُ
فَرِيسَةٌ بَيْـنَ سَاعِـدَيْ أَسَــدِ

مَـا أَقْتَـلَ البَيْـنَ لِلنُّفُـوسِ وَمَـا
أَوجَـعَ فَقْـدَ الحَبِيبِ لِلْكَبِـدِ

عَرَّضْتُ نَفْسي مِـنَ البَـلَاءِ لِمَـا
أَسْـرَفَ في مُهْجَتِي وَفي جَلَـدي

يَـا حَسْرَتي أَنْ أَمُـوتَ مُعتَقَـلاً
بَيْـنَ اعتِلَاجِ الهُمُـومِ وَالكَمَـدِ

في كُـلِّ يَـومٍ تَفِيضُ مُعوِلَـةً
عَيْنِـي ، لِعُضْوٍ يَمُـوتُ في جَسَدِي .

فقال له محمد بن المبرد: أحسنت والله، زدني، فأخذ الشاب ينشد قائلًا:

اللَّـهُ يَعلَـمُ أَنَّني كَمِـدُ
لا أَسْتَطِيعُ أَبُثُّ مَـا أَجِـدُ

نَفْسَانِ لي : نَفْـسٌ تَضَمَّنَهَـا
بَلَـدٌ . وَأُخْرَىٰ حَازَهَـا بَلَـدُ

وأرَىٰ المُقِيمَةَ لَيْسَ يَنْفَعُهَـا
صَبْـرٌ وَلَيْسَ يُعِينُهـا جَلَـدُ

وَأَظُـنُّ غَائِبَتي كَشَاهِدَتي
بِمَكَانِهَـا تَجِـدُ الَّذي أَجِـدُ .

فقال له محمد: هات، أسمعني المزيد، فقال له الشاب: ما بك يا أخي، كلما أنشدتك شيئًا من الشعر، طلبت المزيد؟، هات أنت أسمعني شيئًا من الشعر، فقال محمد لصديقه: أنشده، فأنشد قائلًا:

عَـذْلٌ وَبَيْـنٌ وَتَوْدِيعٌ وَمُرتَحِلُ
أَيُّ العُيُـونِ عَلىٰ ذا لَيْسَ تَنْهِمَـلُ

تَـااللَّـهِ مَـا جَلَدي مِنْ بُعدِهِمْ جَلَـدٌ
وَلَا اخْتِزانُ دُمُوعي عَنْهُمُ بَخَـلُ

بَلَـىٰ وَحُرمَـةِ مَـا أَلقَيْنَ مِنْ خَبِـلٍ
قَلْبي إِلَيْهِـنَّ مُشْتَاقٌ وَقَـد رَحَلُـوا

وَدَدتُ أَنَّ البِحَـارَ السَّبْـعَ لي مَـدَدٌ
وَأَنَّ جِسْمي دُمُوعٌ كُلُّهَـا هَمَـلُ

وَأَنَّ لي بَـدَلاً مِـنْ كُـلِّ جَانِحَـةٍ
في كُلِّ جَارِحَـةٍ يَـومَ النَّـوىٰ مُقَـلُ

لا دَرَّ دَرُّ النَّـوىٰ لَـوْ صَادَفَتْ جَبَـلاً
لَانْهَـدَّ مِنْهَـا وَشِيكاً ذَلِكَ الجَبَـلُ

الهَجْـرُ وَالبَيْـنُ وَالوَاشُـونَ وَالإِبِـلُ
طَلائِـعٌ يَتَراءَىٰ دُونَهَـا الأجَـلُ .

فقال الشاب: والله إنك قد أحسنت، وعندما هم الاثنان بالمغادرة، قال لهم الشاب: ما أسرع مللكم، ومن ثم أخذ ينشد قائلًا:

تَرَحَّلوا ثُـمَّ نِيطَتْ دُونَهُمْ سُجُفُ
لَـوْ كُنْتُ أَملِكُهُمْ يَومَـاً لَمَـا رَحَلُـوا

مَـا رَاعَني اليَومَ شَيءٌ غَيْـرُ فَقْدِهِمُ
لَمَّـا اسْتَقَلَّتْ وَسَارَتْ بِالدُّمَىٰ الإِبِـلُ

فقال الشاب: آه ، آه، إن ماتوا فسوف ألحق بهم، وشهق شهقة، ومات من فوره.

نبذة عن شمروخ

هو محمد بن أحمد بن أبي مرة أبو عمارة المكي، من شعراء العصر العباسي.


شارك المقالة: