قصة قصيدة اذا تم شيئا بدا نقصه:
أمّا عن مناسبة قصيدة “اذا تم شيئا بدا نقصه” فيروى بأنّ امرأة من البرامكة دخلت في يوم من الأيام إلى مجلس الخليفة العباسي هارون الرشيد، وكان عنده جماعة من أصحابه، ووقفت بين يديه، وقالت له: السلام عليك، أقر الله عينك، وفرحك بما جاءك، وأتم عليك سعادتك، لقد حكمت فعدلت، فقال لها الخليفة: ومن أنت أيتها المرأة؟، فقالت له المرأة: أنا من البرامكة، الذين قمت بقتل رجالهم، وأخذت أموالهم، وسلبت منهم إرثهم، فقال لها أمير المؤمنين: أمّا رجالكم فقد أتاهم قضائهم وقدرهم، وأمّا ما أخذت من مال فإني سوف أرده عليك، فأخذت المرأة المال وخرجت من المجلس.
وبعد أن خرجت المرأة من مجلس الخليفة، نظر هارون الرشيد إلى ندمائه، وسألهم قائلًا: هل تعرفون معنى الذي قالته هذه المرأة؟، فقالوا له: والله لأنَّها لم تقل شيئًا سيئًا، بل أن كل ما قلت هو خير، فقال لهم أمير المؤمنين: والله إنكم لم تفهموا ما قصدت، فقالوا له: وكيف يا أمير المؤمنين، فقال لهم: أنا أخبركم، أمّا قولها: أقر الله عينك، فإنها تقصد أن تتوقف عيني عن الحركة، فإن توقفت عن الحركة أكون قد مت، وأما قولها: فرحك بما جاءك فهي فقد قصدت به الذي قاله الله تعالى في كتابه الحكيم، حينما قال: {حتى اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة}، وأما قولها: أتم الله عليك سعدك، فهي تقصد ما قال الشاعر، حينما قال:
اذا تمّ شيئا بدا نقصه
ترقّب زوالا اذا قيل تم
وعندما قالت لي: إنك قد حكمت فقسطت، فهي تقصد قول الله تعالى: {وأما القاسطون فكانوا لجهنّم حطبا}، فتعجب جميع الحاضرين من فصاحة هذه الآية، وعلمها في الكلام، فقد كان ظاهر كلامها دعاء للخليفة، بينما كانت تقصد أن تدعو عليه من دون أن يعلم، وتعجبوا أيضًا لأنّ الخليفة قد فهم قصدها ممّا قالت له، وعاملها بحذر شديد.
حالة الشاعر:
كانت حالة الشاعر عندما قال هذه القصيدة التفكر في حال الدنيا، فليس هنالك شيء يدوم إلا وجه الله سبحانه وتعالى، وما دونه فمصيره الزوال.