لا يكون للأبطال إلا أن يمدحوا، وهذا ما حصل للقائد الأشفين، حينما تمكن من الإمساك ببابك الخرمي، واقتياده للخيفة المعتصم، حيث قام العديد من الشعراء بمدحه بسبب ما فعل.
من هو أبو تمام؟
أبو تمام هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أحد شعراء العصر العباسي، ومن أبرز أعماله ديوان الحماسة والوحشيات، توفي في الموصل.
قصة قصيدة بذ الجلاد فهو دفين
أما عن مناسبة قصيدة “بذ الجلاد فهو دفين” فيروى بأن القائد حيدر بن كاوس الأفشين إلى سامراء، وكان يقتاد بابك الخرمي، فأمر الخليفة المعتصم ابنه هارون أن يخرج ويستقبل الأفشين، وكانت أخباره تصل إلى الخليفة أولًا بأول، وكان قبل أن يصلوا بيومين، قد خرج إليهم، وألقى نظرة على بابك، وبابك لا يعرف من هو، ومن ثم عاد إلى سامراء، وعندما دخل بابك إلى سامراء كان يركب على ظهر فيل مخضب ومجهز ويرتدي الحرير، وقد أنشد بعضهم في ذلك:
قد خضّب الفيل كعاداته
يحمل شيطان خراسان
والفيل لا تخضب أعضاؤه
إلا لذي شأن من الشان
وعندما وصل إلى مجلس الخليفة، أمر الخليفة بقطع كل من يديه وقدميه، ومن ثم أمر بقطع رأسه، وأمر بأن يحمل إلى خراسان، وصلب جثته هنالك، وبعد أن قتله توج الأفشين، وأمر له بعشرين ألف ألف درهم، وأمر له بولاية السند، وأمر الشعراء أن يقوموا بمدحه، على ما فعل من خير للمسلمين بسبب إمساكه ببابك، فأنشد العديد من الشعراء قصائد مدحوه فيها، ومن أحسن ما مدح به القصيدة التي مدحه بها أبو تمام، حيث قال فيه:
بَذَّ الجِلادُ فَهوَ دَفينُ
ما إِن بِهِ إِلاَّ الوُحوشَ قَطينُ
يمدح أبو تمام الأشفين في هذا البيت ويقول بأن الجلاد وهو الأشفين قد شحذ سيفه، الذي تعرفه الوحوش جيدًا.
لَم يُقرَ هَذا السَيفُ هَذا الصَبرَ في
هَيجاءَ إِلّا عَزَّ هَذا الدينُ
حتى وصل إلى قوله:
لَو أَنَّ هَذا الفَتحَ شَكٌّ لَاِشتَفَت
مِنهُ القُلوبُ فَكَيفَ وَهوَ يَقينُ
وَأَخَذتَ بابَكَ حائِراً دونَ المُنى
وَمُنى الضَلالِ مِياهُهُنَّ أُجونُ
طَعَنَ التَلَهُّفُ قَلبَهُ فَفُؤادُهُ
مِن غَيرِ طَعنَةِ فارِسٍ مَطعونُ
وَرَجا بِلادَ الرومِ فَاِستَعصى بِهِ
أَجَلٌ أَصَمُّ عَنِ النَجاءِ حَرونُ
هَيهاتَ لَم يَعلَم بِأَنَّكَ لَو ثَوى
بِالصينِ لَم تَبعُد عَلَيكَ الصينُ
ما نالَ ما قَد نالَ فِرعَونُ وَلا
هامانُ في الدُنيا وَلا قارونُ
بَل كانَ كَالضَحّاكِ في سَطواتِهِ
بِالعالَمينَ وَأَنتَ إِفريدونُ
فَسَيَشكُرُ الإِسلامُ ما أَولَيتَهُ
وَاللَهُ عَنهُ بِالوَفاءِ ضَمينُ
الخلاصة من قصة القصيدة: بعد أن أمسك الأفشين ببابك الخرمي، واقتاده إلى الخليفة، قام الخليفة بقتله، ومن ثم أجزل على الأفشين بالعطايا، وأمر الشعراء بمدحه، وكان ممن مدحه أبو تمام.