قصة قصيدة جعلت فداك الدهر ليس بمنفك
أما عن مناسبة قصيدة “جعلت فداك الدهر ليس بمنفك” فيروى بأن البحتري كان صديقًا مع رجل يقال له معشر المنجم، وفي يوم من الأيام أصاب الاثنان ضائقة شديدة، فقرر الاثنان الدخول على المعتز بالله محمد بن جعفر ابن أمير المؤمنين جعفر المتوكل، وكان يومها في الحبس، وكان ذلك قبل أن يصبح خليفة، ووقف الاثنان بين يديه، وسلما عليه، ومن ثم أنشد البحتري أبياتًا من الشعر قال فيها:
جُعِلتُ فِداكَ الدَهرُ لَيسَ بِمُنفَكِّ
مِنَ الحادِثِ المَشكُوِّ وَالنازِلِ المُشكي
وَما هَذهِ الأَيّامُ إِلّا مَنازِلٌ
فَمِن مَنزِلٍ رَحبٍ وَمِن مَنزِلٍ ضَنكِ
وَقَد هَذَّبَتكَ النائِباتُ وَرِنَّما
صَفا الذَهَبُ الإِبريزُ قَبلَكَ بِالسَبكِ
وَما أَنتَ بِالمَهزوزِ جَأشاً عَلى الأَذى
وَلا المُتَفَرّي الجِلدَتَينِ عَلى الدَعكِ
عَلى أَنَّهُ قَد ضيمَ في حَبسِكَ الهُدى
وَأَضحى بِكَ الإِسلامُ في قَبضَةِ الشِركِ
أَمَ في نَبِيِّ اللَهِ يوسُفَ أَسوَةً
لِمِثلِكَ مَحبوساً عَلى الظُلمِ وَالرِفكِ
أَقامَ جَميلَ الصَبرِ في السِجنِ بُرهَةً
فَآلَ بِهِ الصَبرُ الجَميلُ إِلى المُلكِ
وبعد أن أنهى أبيات الشعر، أعطاه ورقة، وكان في تلك الورقة الحاجة التي يحتاجها، فأخذ المعتز بالله بالورقة، وقرأ ما فيها، ومن ثم أعطاها لخادمه، وقال لها: أبقها معك، فإن فرج الله علي، وخرجت من حبسي هذا، ذكرني بها، لأقضي حق هذا الرجل، وكان أبو معشر قد أخذ مولده.
وبعد ذلك بفترة من الزمن، حكم للمعتز بالله بالخلافة، فأعطاه خادمه الورقة التي فيها طلب البحتري وصاحبه، فأمر بإحضار كليهما، وأمر لكل واحد منهما بألف دينار، وأجرى لأبي المعشر بمائة دينار كل شهر.
وقبل أن يهما بالخروج من مجلسه، دخل الزبير بن البكار إلى المجلس، فقال له المعتز: يا أبا عبد الله، لقد أنشدت أبياتًا من الشعر في مرضي، وقد اعي على إجازة بعض منها، ومن ثم أنشد قائلًا:
أني عرفت علاج القلب من وجعي
وما عرفت علاج الحب والهلع
جزعت للحب والخمى صبرت لها
فليس يشغلني عن حبكم وجعي
نبذة عن البحتري
هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، وهو واحد من أشهر الشعراء في العصر العباسي، ولد في مدينة حلب في سوريا، وفيها توفي.