قصة قصيدة حكم المنية في البرية جاري
إن مشاعر الشاعر هي مشاعر جياشة، ولا يوجد عنده طريقة للتعبير عنها سوى في شعره، وخاصة عندما يموت له زوجة أو ابن أو أب أو أم، فيقول في ذلك شعرًا تدمع له العيون، ومن هؤلاء الشعراء شاعرنا أبو الحسن علي التهامي.
أما عن مناسبة قصيدة “حكم المنية في البرية جاري” فيروى بأن أبي الحسن علي التهامي وهو شاعر يمني، عاش في العصر العباسي، وكانت دار الخلافة العباسية في مدينة بغداد في ذلك الوقت تحت نفوذ أمراء مستقلين، ولم يبق لها من رونق، وكثر عدد المعارضين والثائرين حتى دخلت مدينة بغداد في فوضى سياسية، وأراد أبو الحسن أن ينافس في ميدانها، فأخذ يطالب في الخلافة، ولكنه لم يتمكن من نيلها، وتبع مذهب الاعتزال، وسكن في الشام مدة من الزمان، ومن ثم خرج من الشام وتوجه إلى العراق، ونزل في العراق، وفيها روى الشعر، ومن ثم عاد إلى الشام، وتنقل في بلادها، وأصبح خطيبًا في مدينة الرملة في فلسطين، وتزوج هنالك، وأنجبت له زوجته غلامًا، ولكن ابنه توفي وهو صغير في العمر، فرثاه بقصيدة تعتبر واحدة من عيون الشعر العربي، وفيها قال:
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري
ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
يقول الشاعر في هذا البيت بأن الموت هو حق على كل إنسان، وأن هذه الدنيا ليست بدار بقاء، وإنما هي فانية.
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً
حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها
صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها
مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ
وَإِذا رَجَوتَ المُستَحيل فَإِنَّما
تَبني الرَجاءَ عَلى شَفيرٍ هارِ
فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ
وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ ساري
وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت
مُنقادة بِأَزمَّة الأَقدارِ
فاِقضوا مآرِبكم عُجَالاً إِنَّما
أَعمارُكُم سِفرٌ مِنَ الأَسفارِ
وَتَراكَضوا خَيلَ الشَبابِ وَبادِروا
إِن تُستَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ عَواري
فالدهر يَخدَع بِالمني وَيغُصُّ إِن
هَنّا وَيَهدِمُ ما بَنى بِبوارِ
ثم انتقل إلى مصر واتصل هنالك بالوزير المغربي، وكان من أعوانه في الثورة التي قام بها على الحاكم الفاطمي هنالك، وكان ذلك سببًا لأن يصر الحاكم الفاطمي على الإمساك به، فأمسك به، ووضع في السجن.
نبذة عن أبي حسن علي التهامي
هو أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي، شاعر من أهل تهامة وهي منطقة واقعة بين الحجاز واليمن، زار الشام والعراق، ثم رحل إلى مصر، وبها قتل في عام أربعمائة وستة عشر للهجرة.
الخلاصة من قصة القصيدة: حاول الشاعر في نهاية الدولة العباسية أن ينصب نفسه خلفة في بغداد ولكنه لم يتمكن من ذلك، فانتقل إلى الشام، وتنقل بين بلادها، حتى وصل إلى الرملة في فلسطين، وهنالك تزوج، وأنجبت له زوجته غلامًا، وتوفي بينما كان صغيرًا، فرثاه أبو الحسن بقصيدة.