قصة قصيدة خليلي قد رزت الأمور وقستها:
أمّا عن مناسبة قصيدة “خليلي قد رزت الأمور وقستها” فيروى بأنه كان هنالك رجل من أهل الحجاز اسمه كعب بن مالك، كان متزوجًا من امرأة من أبناء عمومته، يقال لها أم عمرو، وكان يحبها حبًا شديدًا، وفي يوم من الأيام وبينما هو جالس معها، قال لها: هل من الممكن أن تكون هنالك فتاة أجمل منك؟، فقالت له: نعم، أختي ميلاء، هي أجمل مني، فقال لها: وكيف لي أن أراها؟، فقالت له: إن علمت أنك موجود لن تخرج، فعليك أن تختبئ، وأنا سوف أبعثها إليك لكي تراها، وفي اليوم التالي، دعتها إلى بيتها، وجعلته يختبئ، وجلست معها، وبينما هما جالستان، طلبت منها أن تحضر لها شيئًا من الغرفة المجاورة، حيث زوجها مختبئ، فدخلت إلى الغرفة، ورآها زوجها، فوقع حبها في قلبه، وطلق زوجته بسبب ذلك.
وفي يوم قام بتتبع ميلاء، حتى استطاع أن يوقفها، وأخبرها بحبه لها، فأخبرته هي الأخرى بأنّها تحبه، وقالت له: والله إنك لم تجد شيئًا في، ما وجدته أنا فيك مثله، ولكن زوجته أم عمرو تيقنت من أن زوجها قد أحب أختها، وقامت بتتبعهما، من دون أن يشعرا بها، حتى أدركتهما وهما جالسان سوية، فتركتهما، وتوجهت صوب إخوتها السبعة، وأخبرتهم بخبر أختها وزوجها، وقالت لهم: عليكم أن تزوجوه منها، أو تبعدوها عنه، وعندما وصل الخبر إلى كعب بأن إخوان زوجته يعلمون بأمره، قرر أن يهرب صوب الشام.
وبينما هو في الشام، كان يتذكر ميلاء، ويقول فيها الشعر، وفي يوم أنشد أمام رجل من أهل الشام فيها قائلًا:
أفي كُلِّ يومٍ أنتَ من بارح الهوى
إلى الشُّمِّ من أعلامِ ميلاءَ ناظِرُ
وبعد فترة خرج هذا الرجل من الشام، متوجهًا نحو مكة المكرمة، وعندما اقترب من مكة، ضل الطريق، فهام في الصحراء، وبينما هو في مسيره رأى حيًا من بعيد فمر به، وتوقف عند أحد بيوته، وطرق على الباب، فخرجت له امرأة، فسلم عليها، وطلب منها أن تدله على الطريق إلى مكة، فنادت قائلة: يا ميلاء، دليه على الطريق، و لكن الرجل عندما سمع اسم ميلاء، تذكر ما سمع من الشعر الذي أنشده إياه كعب والذي يذكر اسمها، فأنشده أمامهما، فعرفت أم عمرو الشعر، وقالت له: من أين أنت يا أخي؟، فأخبرها بأنه من الشام، ومن ثم سألته عن الشعر، وعن قائله، فأخبرها بأنه حجازي في الشام، وأن اسمه كعب، فقالت له: ارجوك أن لا تغادر حتى أنادي على إخواني فيكرموك، ويدلوك على الطريق، فقال لها: إن له شعرًا غير هذا، ولا أعرف هل تعرفانه أم لا؟، فطلبتا منه أن يسمعهما إياه، فأنشدهما قائلًا:
خليليَّ! قد رُزْتُ الأمور وقِستها
بنفسي وبالفتيان كُلَّ مكانِ
فلم أُخفِ يومًا للرفيق ولم أجد
خليًّا ولا ذا البثِّ يستويان
من الناس إنسانان دَيني عليهما
مليَّان لولا الناس قد قَضَياني
منوعان ظلَّامان ما يُنصِفانني
بدلَّيهِما والحُسنِ قد خَلَبَاني
يُطيلانِ حتى يَحسب الناس أنني
قُضيتُ ولا والله ما قَضَيان
خليليَّ! أما أمُّ عمرو فمنهما
وأمَّا عَن الأخرى فلا تسلاني
بُلينا بهجرانٍ ولم يُرَ مثلُنا
من الناس إنسانان يَهتجِران
أشدَّ مصافاةً وأبعد من قِلًى
وأعصى لواشٍ حين يُكتنفان
يُبيِّنُ طرفانا الذي في نفوسنا
إذا استُعجمَت بالمنطق الشفتان
فوالله ما أدري أكُلُّ ذوي الهوى
على شَكلِنا أم نحنُ مُبتلَيان
فلا تعجبا مما بي اليوم من هوًى
ففي كُلِّ يومٍ مثلُ ما تريان
خليليَّ! عن أي الذي كان بيننا
من الوصلِ أو ماضي الهوى تَسَلانِ
وبقي الرجل حتى أتى إخوة أم عمرو، فطلبت منه أم عمرو أن يخبر إخوتها بالشعر الذي قاله لها، وبخبر كعب، فقام إخوانها بإكرام الرجل، ومن ثم دلوه على الطريق، وفي اليوم التالي خرجوا إلى الشام، يبحثون عن كعب، وبقوا يبحثون عنه حتى وجدوه، فأخذوه معهم وعادوا به إلى ديارهم، وعندما دخل إلى الديار وجد أن الناس قد اجتمعوا صوب ديار أبناء عمه، فسأل أحدهم عن خبر ما يحصل، فأخبر ه بأن ميلاء قد ماتت، فشهق شهقة ومات من فوره، وقاموا بدفنه بجانب قبر ميلاء.
نبذة عن كعب بن مالك:
هو كعب بن مالك، ويقال كعب بن عبد الله من بني لأي بن شاس بن أنف الناقة وهو من أهل الحجاز.