نروي لكم اليوم شيئًا من خبر سيبويه، فنحدثكم عن العلماء اللذين تتلمذ على يدهم، ومناظرته الكسائي في مجلس هارون الرشيد.
قصة قصيدة ذهب الأحبة بعد طول تزاور
أما عن مناسبة قصيدة “ذهب الأحبة بعد طول تزاور” فيروى بأن أبو بشر عمر بن عثمان الذي اشتهر بلقب سيبويه، كان إمامًا وعلامة، ويعتبر شيخ النحاة من أهل زمانه، وصولًا إلى زماننا هذا، والناس كالعيال على كتابه المشهور في النحو، ويروى بأنه قد تتلمذ على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، ولازمه، وكان إذا أتى إلى مجلسه قال له: مرحبا بالزائر الذي لا يمل منه.
وكان قد تتلمذ أيضًا على يد عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، وأبي زيد الأنصاري، وغيرهم العديد من علماء اللغة، خرج من مينة البصرة، وتوجه صوب بغداد، وكان ذلك في عد هارون الرشيد، وكان الكسائي يؤدب ابن الخليفة في تلك الأيام، وفي يوم جمع الخليفة هارون الرشيد بينهما فتناظرا في مختلف مسائل النحو، وعندا رأى المأمون بأن سيبويه هو صاحب اليد العليا في تلك المناظرة، طلب من رجل من الأعراب أن ينصر أستاذه، ولكنه أيد سيبويه، فكره الأمين ذلك، وقال للأعرابي: ولكن الكسائي يقول خلاف ما تقول.
فعرف سيبويه أنهم انحازوا ضده، وخرج من مدينة بغداد، وتوجه إلى بلاد شيراز، وأقام فيها حتى توفي، فدفن فيها، ويروى بأن بعضهم قرأ على قبره أبياتًا من الشعر تقول:
ذهب الأحبة بعد طول تزاور
ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا
يرثى الشعر في هذه الأبيات سيبويه ويقول بأن زيارات الأحبة قد قلت بعد أن كانوا كثيرًا ما يزورونه، فأصبح المكان كأن أحدًا لا يسكنه.
تركوك أوحش ما تكون بقفرة
لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا
قضى القضاء وصرت صاحب حفرة
عنك الأحبة أعرضوا وتصدعوا