قصة قصيدة رآني على ما بي عميلة فاشتكى
أمّا عن مناسبة قصيدة “رآني على ما بي عميلة فاشتكى” فيروى بأن أسيد بن عنقاء الفزاري كان من أكثر الناس في الزمان الذي عاش فيه عارضة ولسانًا، وكان من المعمرين، وبعد أن أصبح كبيرًا في العمر، وأصبحت حالته مختلة، أتاه في يوم من الأيام غلام من سادات قبيلته، وهو عميلة بن كلدة الفزاري، ورد عليه السلام، وجلس معه، وقال له: يا عم، ما الذي أصارك إلى ما أنت فيه؟، فقال له أسيد: بخل الذين مثلك بمالهم، وصوني نفسي عن أن أسأل الناس، فقال له عميلة الفزاري: والله يا عم، إن بقيت إلى الغد، فسوف أغير ما أرى من حالك، ومن ثم خرج من عنده.
وبعد أن خرج الغلام من عنده، دخل إلى أهله، وأخبرهم بخبر هذا الغلام، وما وعده به، فقالت له: لقد غرك كلام هذا الغلام الذي أتاك في ظلمة الليل، وكأنما وضعت في فمه حجرًا، فبات أسيد وهو متململ بين اليأس والرجاء، وعندما أتى الصباح، سمع أسيد صوت الإبل، وصوت الأغنام، وصهيل الخيول، فقام إلى زوجته، وسألها قائلًا: ما هذه الأصوات؟، فقالت له: فقالت له: إن عميله قد بعث لك بماله، وكان عميله قد قسم ماله إلى نصفين، أخذ هو النصف وأعطى أسيد النصف، فأنشد أسيد يمدحه ويمجده، قائلًا:
رَآني عَلى ما بي عُمَيلَةُ فَاِشتَكى
إِلى مالِهِ حالي أَسَرَّ كَما جَهَر
دَعاني فَآساني وَلَو ضَنَّ لَم أَلُم
عَلى حينَ لابَدْوَ يُرَجّى وَلا حَضَر
فَقُلتُ لَهُ خَيراً وَأَثنَيتُ فِعلَهُ
وَأَوفاكَ ما أَبلَيتَ مَن ذَمَّ أَو شَكَر
وَلَمّا رَأى المَجدَ اِستُعيرَت ثِيابُهُ
تَرَدّى رِداءَ سابِغَ الذَيلِ وَأتَزَر
غُلامٌ رَماهُ اللَهُ بِالخَيرِ مُقبِلاً
لَهُ سيمِياء لا تَشُقُّ عَلى البَصَر
كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت فَوقَ نَحرِهِ
وَفي أَنفِهِ الشِعرى وَفي خَدِّهِ القَمَر
إِذا قيلَتِ العَوراءُ أَغضى كَأَنَّهُ
ذَليلٌ بِلا ذُلٍّ وَلَو شاءَ لَاِنتَصَر
نبذة عن أسيد بن العنقاء الفزاري
هو قيس بن بجرة، وقيل أن اسمه عبد قيس بن بجرة، وهو من بني شمخ بن فزارة، من ناشب، وعنقاء اسم أمه، وهو شاعر من شعراء العصر الجاهلي، أدرك الإسلام، وكان وقتها كبيرًا في العمر، فأسلم.