قصة قصيدة - في القلب مني نار

اقرأ في هذا المقال


ما لا تعرف عن قصة قصيدة “في القلب مني نار”:

أمَّا عن قصة قصيدة “في القلب منّي نارٌ” يحكى أنّ معاوية بن أبي سفيان كان جالس في مجلس له في دمشق على نهاية الطّريق، فهذا المجلس كان مفتوح الجوانب لكي يدخل نسيم الهواء من كل مكان، بينما هو كان جالسًا على فراشه وحاشيته وأهل بيته بين يديه، إذ هو ينظر إلى أحدًا يمشي نحوه فكان هذا الرجل يسرع في المشي حافيًا فكان ذلك اليوم حارً جداً.

وهنا تأمل معاوية بن أبي سفيان وقال لحاشيته: والله لم يخلق الله ممّن أحتاج إليه في مثل هذا اليوم. ثمّ قال لأحد حاشيته أذهب إليه وأعرف لي ما هيه حالته وقصته، والله لو كان فقيرًا لعطيته حتى أغنيته أو كان شاكًا لأنصفته ووقفت معه، لو كان مظلومًا لأنصرنه على حقه ولو كان غنيًا لأخذته منه كل شيء وأفقرته.

خرج عليه الغلام فألقى عليه السلام وقال له من أين انت إيها الرجل؟ فرد عليه: أنا رجلٌ أعرابيٌّ مظلوم فأقبلت إلى أمير المؤمنين مشتكيًا على من ظلمني!، فقال له الرّسول: قد وصلت إيها الأعرابي، ثمّ سار به حتّى وقف بين يدي الخليفة معاوية بن أبي سفيان فسلّم عليه ثمّ أنشدا قائلاً:

معاوي يا ذا العلم والحلم والفضل
ويا ذا النّدى والجود والنّابل الجزل

أتيتك لمّا ضاق في الأرض مذهبي
فيا غيث لا تقطع رجائي من العدل

وجد لي بإنصافٍ من الجّائر الذي
شواني شيّاً كان أيسره قتلي

سباني سعدى وانبرى لخصومتي
وجار ولم يعدل، وأغصبني أهلي

قصدت لأرجو نفعه فأثابني
بسجنٍ وأنواع العذاب مع الكبل

وهمّ بقتلي غير أن منيّتي
تأبّت، ولم أستكمل الرّزق من أجلي

أغثني جزاك الله عنّي جنّةً
فقد طار من وجدٍ بسعدى لها عقلي

وعندما أنتهى من شعره فلمّا قال له الخليفة معاوية: يا إعرابي قد أراك تشتكي عاملاً من عمّالنا ولم تسمعه لنا؟ فرد عليه وقال: أصلح الله أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، فالله هو ابن عمك مروان بن الحكم الذي هو عامل المدينة، فقال له معاوية: وما قصّتك مع مروان إيها الأعرابي، قال: أصلح الله الأمير، وهذه هي قصتي كانت لي بنت عم أحبها وتحبني ذهبت إلى عمي وخطبتها فزوجني فكنت كفيلًا لأنها كانت ذا كمال وجمال وعقل وقرابة.

فقد بقيتُ معها يا أمير المؤمنين في أنعم بال وأصلح حال فكنا مسرورين إلا فأنصاب بمرض فدارت عليها أقضية الله وحوادث الدّهر فماتت، فبقيت أنا لا أملك شيئاً، وصرت مهمهومًا حتى ذهب عقلي وتراجعت حالتي وصرت ثقيلاً على الأرض.

وعندما وصل ذلك إلى عند أباها أبعد بيني وبينها وطردني، فلم أعرف ماذا أفعل فذهبت لعند مروان بن الحكم أشكي له عمي، وعندما سمع ماحصل لي بعث في طلب عمي وعندما حضر لعنده سأله مروان بن الحكم وقال له: لم أبعدت بين إبن أخيك وزوجته ، فقال له عمي: أيها الأمير ليس له عندي زوجة ولم أزوجه من إبنتي، فقلت لأمير المؤمنين: أيها الأمير إبعث في طلب الجارية واسألها عما حصل وأنا راضٍ بما تقول، وعندما بعث في طلب الجارية وحضرت فرآها مروان بن الحكم، وعندها أعجب بها استحسن جمالها فصار خصمًا لي، وزج بي إلى السجن، ثم قال لعمي بعد أن سجنني أتزوجها لي، وأعطيك مهرًا لها ألف دينار، وأعطيك لك عشرة الاف درهم تعيش منهم وأضمن لك أنها سوف تطلق منه؟ فقال له عمي : إن فعلت ذلك قبلت وزوجتك إياها.

وفي صباح اليوم التالي بعث مروان بن الحكم في طلبي وعندما أحضروني له قال لي وكان غضبان كغضب الأسد: طلق سعدى أيها الأعرابي، فلم أوافق على ذلك، وعندها إزداد غضبه وأمر حرسه بأن يضربوني ثم يعيدوني إلى السجن، وفي اليوم الذي يليه أرسل في طلبي وعندما وقفت بين يدي أمرني بأن أطلق سعدى فلم أوافق فأمر حرسه أن يضربوني، فضربوني ضربًا لا يستطيع أحد أن يتحمله، وألقى بي إلى السجن، وفي اليوم الثالث أرسل في طلبي وعندما أحضروني قال: أحضروا لي السيف والسياف ثم قال لي: أيها الأعرابي أقسم بالله العظيم أنك إن لم تطلق سعدى لأقطع رأسك عن جسمك، فخفت على نفسي من أن أقتل وطلقتها طلقةً واحدةً، فأرسلني إلى السجن، وانتظر حتى إنتهت فترة عدتها فتزوجها ثم أطلق سراحي.

فأتيت لعندك يا أمير المؤمنين راجيًا عدلك، فانصفني فوالله إني لا أنام الليل ولازلت أهواها وأحبها، ثم بكى حتى كاد يموت وقال:

في القلب منّي نارٌ
والنّار فيه الدّمار

والجّسم منّي سقيمٌ
فيه الطّبيب يحار

والعين تهطل دمعاً
فدمعها مدرار

حملت منه عظيماً
فما عليه اصطبار

فليس ليلي ليلٌ
ولا نهاري نهار

فارحم كئيباً حزيناً
فؤاده مستطاب

اردد عليّ سعادي
يثيبك الجبّار

فأرسل أمير المؤمنين في طلب مروان بن الحكم وأمره بأن يحضر الجارية معه، وعندما حضروا لعنده خيّر الجارية بين مروان بن الحكم وبين الأعرابي فأشارت إلى إبن عمها الأعرابي وأنشدت تقول:

هذا وإن كان في جوعٍ وأطمار
أعزّ عندي من أهلي ومن جاري

وصاحب التّاج أو مروان عامله
وكلّ ذي درهمٍ منهم ودينار


شارك المقالة: