قصة قصيدة قبلت فاها على خوف مخالسة
أمّا عن مناسبة قصيدة “قبلت فاها على خوف مخالسة” فيروى بأنه في يوم من الأيام كان أعرابيان يسيران في إحدى المدن، وبينما هما في مسيرهما شاهدا ديرًا، فقررا أن يمرا عليه، وبالفعل توجها إلى هذا الدير، ودخلا عليه، وفي الداخل وجدوا جماعة من الناس، وكان يبدو عليهم بأنهم ليسوا بعقلهم، وبأنهم مجانين، وكانوا جميعهم يرتدون ملابس رثة، وكان من بينهم شابًا لا يبدو عليه بأنه مثلهم، حتى أنه كان يرتدي ملابس أفضل من ملابس البقية، وكان يبدو عليه بأنه مازال يدرك الأمور من حوله، فتوجه الأعرابيان إلى هذا الشاب، وسلما عليه، فرد عليهما سلاهما، وقال لهما: أنشدوني شيئًا من الشعر، فقال أحدهما لرفيقه، أنشده، فأنشده قائلًا:
قبلت فاها على خوف مخالسة
كقابس النار لم يشعر من العجل
ماذا على رصد في الدار لو غفلوا
عني فقبلتها عشراً على مهل
غضي جفونك عني وانظري أمما
فإنما افتضح العشاق بالمقل
فقال الشاب: أنا ومن قال هذا الشعر على طرفي نقيض، فإنه يستطيع أن يرى من يحب، وأنا بعيد عنها لا أستطيع رؤيتها، فقال له الرجلان: هل أنت عاشق، فقال لهما الشاب: نعم، أنا كذلك، فقال له رجل منهما: من التي تعشقها؟، فقال لهما: أنتما كثيرا الأسئلة، فقالا له: إن أردت أن تخبرنا فاخبرنا، وإن لم ترد لا تخبرنا، فقال لهما: إن لي ابنة عم، فقام أبي بعقد قراني عليها، ومن بعد ذلك أخته المنية، وتوفي، وترك لي الكثير من الأموال، فاستولى عمي على جميع أموالي، وقال عني بأني مجنون.
ومن ثم التفت الشاب إلى الأعرابي الآخر، وقال له: أنشدني أنت، فيبدو عليك بأنك من أهل الأدب، فأنشده الأعرابي قول أحد الشعراء قائلًا:
قال سكينة والدموع زوارف
تجري على الخدين والجلباب
ليت المغيري بالذي لم أجزه
فيما أطال تبصري وطلابي
كادت تردّ لنا المنى أيامه
إذ لا ألام على هوى وتصابي
خبرت ما قالت فقلت كأنما
ترمي الحشا بصوائب النشاب
اسكين ما ماء الفرات وطيبه
مني على ظما وحب شراب
بالذ منك وإن نأيت وقلما
يرعى النساء أمانة الغياب
حالة الشاعر
كانت حالة الشاعر عندما أنشد هذه القصيدة الخوف من أن يتم إمساكه مع حبيبته.