قصة قصيدة قد ذقت في شرع الهوى ألم النوى
أمّا عن مناسبة قصيدة “قد ذقت في شرع الهوى ألم النوى” فيروى بأن الشيخ حسن حبنّكة الميداني حج في عام من الأعوام، وعندما انتهى من أداء شعائر الحج، توجه عائدًا إلى دياره على متن سفينة، وكان معه أمه التي تبلغ من العمر خمسة وثلاثون عامًا، وكان هو وقتها في السابعة عشر من العمر، وقد كان وقتها في غاية السعادة لأنه تمكن من يحج إلى بيت الله مع أمه، في الوقت الذي كان فيه من الصعب على أي أحد أن يؤديها.
وقد كانت أمه حاملًا قبل أن تسافر إلى الحج، وبينما هي على السفينة بدأت تشتكي من نزيف قوي، وبدأت حالتها تتدهور بسرعة، وتوفت وهي بين يدي ابنها حسن، بينما كان كل طاقم السفينة وكل ركابها ينظرون إليهما، وفي ذلك الزمن لم تكن السفن مجهزة بثلاجات يضعون فيها الموتى حتى يصلون إلى البر، فقرر قبطان السفينة والطاقم الذي عليها أن يقوموا بإلقاء جثمانها في البحر، لعدم قدرتهم على الاحتفاظ بها في تلك الظروف حتى يصلوا إلى اليابسة، فقد كان أمامهم أيامًا عديدة قبل أن يصلوا.
وبعد أن جهزوا جثمان والدته، وضعوه بين لوحين على طرف السفينة، وقاموا بوضع الأثقال من حولها لكي لا تطفو على سطح الماء، وقام حسن بتقبيلها واحتضنها، ومن ثم ألقيت من على سطح السفينة، وبقي ينظر إليها بينما غابت بين شق الأمواج، ومن بعد أن غابت عن ناظره، جلس في زاوية من زوايا السفينة، وكتب قصيدة قال فيها:
قد ذُقْتُ في شرعِ الهوى ألمَ النوى
وطويتُ ذِكْرَ الظاعنين فما انطوى
عللتُ نفسي بالرجاء عشيّةً
فإذا الصباح بنارِ يأسٍ قد كوى
عفواً إلٰهَ الكون أنت رجاؤنا
من يَعْشُ عن ذكرى هداك فقد غوى
وأنا دخيلك يا إلهى فاحْمِني
من شرّ أهوال الزمان وما حوى
سَئِمَ الفؤاد من الحياةَ وبؤسها
والجسمُ مِنْ مَسِّ المصائب قد خوى
نفِدَ التصبُّرُ بعد طول تألُّمٍ
ففَزِعتُ للقرآن ألْتَمِسُ الدوا
فوجدْتُه يشفي الصدورَ ، ومَنْ يَرِد
آياتِه يصدُرْ بأوفرِ ما نوى
نبذة عن حسن حبنّكة الميداني
هو الشيخ حسن حبنّكة الميداني، عالم وفقيه سوري، ألف وثلاثمائة وستة وعشرون للهجرة في مدينة دمشق في سوريا، وتوفي فيها في عام ألف وثلاثمائة وثمانية وتسعون للهجرة.