نقص عليكم اليوم خبر القاضي شريح، فنروي لكم ما حصل بينه وبين علي بن أبي طالب، ونروي لكم خبره مع امرأتان احتكمتا له بخصوص غلام.
من هو شريح؟
هو أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، ولد في حضرموت في اليمن، وهو صحابي من صحبة رسول الله صل الله عليه وسلم.
قصة قصيدة قد سمع القاضي ما قلتما ثم قضى
أما عن مناسبة قصيدة “قد سمع القاضي ما قلتما ثم قضى” فيروى بأن علي بن أبي طالب قد قال في يوم من الأيام: يا أيها الناس، يأتوني فقهاؤكم، فيسألوني وأسألهم، وفي اليوم التالي خرج فقهاء المدينة المنورة جميعهم إلى علي، وجلسوا معه، فأخذ يسألهم: ما هذا وهذا؟، وهم يسألونه: ما هذا وهاذ؟، فهو يخبرهم، وهم يخبرونه، حتى أتى المساء، فخرج الفقهاء من المجلس، ولم يبق عنده سوى شريح القاضي، حيث بقي جالس، ولم يسأله علي بن أبي طالب عن شيء إلا أجابه عنه، فقال له علي: قم فأنت أقضى العرب.
وفي يوم من الأيام أتت امرأتان إلى مجلس شريح، وهما جدة غلام وأمه، فجعلتا تختصمان إليه، وكل واحدة منهما تقول له: أنا أحق بهذا الغلام، فقالت له جدة الغلام:
أبا أميه أتيناكَ وأنتَ المستعانُ بهِ
أتاكَ جدةُ ابنٍ وأمٌ وكلتانا تفديه
فلو كنتِ تأيمتِ لما نازعتكي فيهِ
تزوجتِ فهاتيه ولا يذهبْ بكِ القيهِ
ألا أيها القاضي فهذهِ قصتي فيهِ
فقالت الأم:
ألا أيها القاضي قد قالت لك الجدة
قولا فاستمع مني ولا تطردني ردهْ
تعزى النفسَ عن ابني
وكبِدي حملتْ كَبدهْ
فلما صار في حجري
يتيما مفردا وحدهْ
تزوجتُ رجاءَ الخيرِ
منْ يكفينيَ فقدهْ
ومن يُظهرُ لي الودَ
ومنْ يحسنُ لي رِفدهْ
فقال لهما القاضي شريح:
قد سمع القاضي ما قلتما ثم قضى
وعلى القاضي جهد إن غفل
يقول الشاعر في هذا البيت بأنه قد سمع ما قالت كل من جدة الغلام وأمه، وبأن عليه جهد إن غفل عن شيء ما قيل.
قال للجدة: بيني بالصبي
وخذي ابنك من ذات العلل
إنها لو صبرت كان لها
قبل دعوى ما تبتغيه للبدل
الخلاصة من قصة القصيدة: جمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يوم فقهاء المدينة، وجعل يسألهم ويسألوه، وفي المساء انصرف جميعهم إلا شريح، بقي جالس، واستمر علي يسأله، فما سأله عن شيء إلا أجابه، فقال له: أنت أقضى العرب، وفي يوم احتكمت جدة غلام وأمه له، فحكم بينهما.