قصة قصيدة كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
أمّا عن مناسبة قصيدة “كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر” فيروى بأن محمد بن حميد الطوسي الطائي كان قائد جيوش الخليفة العباسي المأمون، وعندما رآه الخليفة المعتصم أعجب بشجاعته وقوته، وقرر أن يزوجه من أخته، وبالفعل تزوج محمد بن حميد من أخت المعتصم، وعندما استعان به الخليفة المأمون لقتال بابك الخرمي، وكان الخليفة قد قرر قتاله لأنه ادعى الألوهية، فخرج إلى قتاله، وقام بأداء جيد في قتاله، ولكن مجموعة من الرجال التابعون لبابك قاموا بنصب كمين له، وكان معه هو الآخر مجموعة من الرجال، ولكن معظمهم هربوا، وبقي هو ومعه عدد قليل من المقاتلين أمام جموع رجال بابك، فقاتلهم قتالًا شديدًا، ولم يستطيعوا قتله، فقاموا بضرب حصانه، فسقط على الأرض، فاجتمع عليه الرجال وقتلوه.
وعندما وصل خبر مقتله إلى بغداد، بكى عليه جميع أهلها، بل بكى عليه معظم أهل العراق، وقام المعتصم بفتح قصره لمن يريد أن يعزي به، فدخل عليه كافة أهل المدينة معزين، وكان من بينهم الشاعر أبو تمام الذي دخل وهو يبكي، ووقف بين يدي المعتصم، وأنشد قصيدة يرثو بها محمد بن حميد، قائلًا:
كَذا فَليَجِلَّ الخَطبُ وَليَفدَحِ الأَمرُ
فَلَيسَ لِعَينٍ لَم يَفِض ماؤُها عُذرُ
تُوُفِّيَتِ الآمالُ بَعدَ مُحَمَّدٍ
وَأَصبَحَ في شُغلٍ عَنِ السَفَرِ السَفرُ
وَما كانَ إِلّا مالَ مَن قَلَّ مالُهُ
وَذُخراً لِمَن أَمسى وَلَيسَ لَهُ ذُخرُ
وَما كانَ يَدري مُجتَدي جودِ كَفِّهِ
إِذا ما اِستَهَلَّت أَنَّهُ خُلِقَ العُسرُ
أَلا في سَبيلِ اللَهِ مَن عُطِّلَت لَهُ
فِجاجُ سَبيلِ اللَهِ وَاِنثَغَرَ الثَغرُ
فَتىً كُلَّما فاضَت عُيونُ قَبيلَةٍ
دَماً ضَحِكَت عَنهُ الأَحاديثُ وَالذِكرُ
فَتىً ماتَ بَينَ الضَربِ وَالطَعنِ ميتَةً
تَقومُ مَقامَ النَصرِ إِذ فاتَهُ النَصرُ
وَما ماتَ حَتّى ماتَ مَضرِبُ سَيفِهِ
مِنَ الضَربِ وَاِعتَلَّت عَلَيهِ القَنا السُمرُ
وَقَد كانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ
إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ
نبذة عن الشاعر أبو تمام
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، ولد في واحدة من قرى حوران في سوريا في عام ثمانمائة وأربعة ميلادي، وهو واحد من أهم شعراء العصر العباسي.