قصة قصيدة كم بالمواسم من شعثاء أرملة:
أمّا عن مناسبة قصيدة “كم بالمواسم من شعثاء أرملة” فيروى بأنّه في يوم من الأيام نزل الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز في غرفة قريبة من السوق، لكي يكون على مقربة من الناس، لكي يتعرف على مشاكلهم وهمومهم، ومن ثم بعث في طلب زوجته فاطمة، وقال لها: إني قد توليت أمر هذه الأمة، فإن كنت تريدين الله والحياة الآخرة فتبرعي بما عندك من ذهب ومجوهرات إلى بيت مال المسلمين، وإن كنت تريدين الحياة الدنيا فتمتعي بما عندك، واذهبي إلى بيت أبوك، فقالت له فاطمة: لا والله، إنّ الحياة لهي حياتك، وإنّ الموت لهو موتك، وأعطته ما تملك من مجوهرات لكي يبعثه إلى بيت مال المسلمين.
وفي اليوم الأول من مقيمه في هذه الغرفة دب عليه النعاس، فنام، وبينما هو نائم أتاه ابنه عبد الملك في المنام، وقال له: يا أبي، هل تنام وأنت الوالي على هذه الأمة، وفيها من هو فقير ومن هو جائع، وفيها المسكين والأرملة، وكل هؤلاء سوف يسألك الله عنهم في يوم القيامة، فبكى الخليفة واستيقظ من نومه.
وهو الذي قال فيه الجرير:
كَم بِالمَواسِمِ مِن شَعثاءَ أَرمَلَةٍ
وَمِن يَتيمٍ ضَعيفِ الصَوتِ وَالنَظَرِ
يَدعوكَ دَعوَةَ مَلهوفٍ كَأَنَّ بِهِ
خَبلاً مِنَ الجِنِّ أَو خَبلاً مِنَ النَشَرِ
مِمَّن يَعُدُّكَ تَكفي فَقدَ والِدِهِ
كَالفَرخِ في العُشِّ لَم يَدرُج وَلَم يَطِرِ
يَرجوكَ مِثلَ رَجاءِ الغَيثِ تَجرُهُمُ
بورِكتَ جابِرَ عَظمٍ هيضَ مُنكَسِرِ
فَإِن تَدَعهُم فَمَن يَرجونَ بَعدَكُمُ
أَو تُنجِ مِنها فَقَد أَنجَيتَ مِن ضَرَرِ
خَليفَةَ اللَهِ ماذا تَنظُرونَ بِنا
لَسنا إِلَيكُم وَلا في دارِ مُنتَظَرِ
أَنتَ المُبارَكُ وَالمَهدِيُّ سيرَتُهُ
تَعصي الهَوى وَتَقومُ اللَيلَ بِالسُوَرِ
أَصبَحتَ لِلمِنبَرِ المَعمورِ مَجلِسُهُ
زَيناً وَزَينَ قِبابِ المُلكِ وَالحُجَرِ
نالَ الخِلافَةَ إِذ كانَت لَهُ قَدَراً
كَما أَتى رَبَّهُ موسى عَلى قَدَرِ
فَلَن تَزالَ لِهَذا الدينِ ما عَمِروا
مِنكُم عَمارَةُ مُلكٍ واضِحِ الغُرَرِ
نبذة عن الشاعر الجرير:
هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، ولد في عام ثلاثة وثلاثون للهجرة في نجد، واحد من أشهر شعراء العرب، واشتهر بالهجاء في شعره، ولكنّه برع أيضًا في المدح، من شعراء العصر الأموي، توفي في عام مائة وعشر للهجرة.