قصة قصيدة لعمرك ما أهويت كفي لريبة
أمّا عن مناسبة قصيدة “لعمرك ما أهويت كفي لريبة” فيروى بأن عروة بن الزبير خرج في يوم من الأيام من المدينة المنورة إلى مدينة دمشق، وكان يريد أن يجتمع بالخليفة الوليد بن يزيد، وبعد أن خرج من المدينة المنورة بقليل، وفي إحدى الأودية القريبة منها، ظهر له مرض في قدمه، وبدأ هذا المرض يأكلها، فظن بأنها ليست بالشيء الخطير، وأكمل مسيره نحو دمشق، وعندما وصل إلى هنالك كانت قد أكلت له نصف ساقه.
وعندما دخل إلى مجلس الوليد بن يزيد، ورأى الوليد ما حصل لساقه، جمع له أطباء المدينة، وبعد أن رأوها أجمعوا على أنه لا بد عليه أن يسمح لهم بقطعها، وإلا فإنها سوف تأكل رجله كاملة، بل أنها من الممكن أن تأكل جسده كاملًا، فوافق عروة على أن يقطعوها له.
وعندما هموا بقطعها قالوا له: هل نسقيك مرقدًا، حتى لا تحس بألم قطعها؟، ولكنه رفض، وقال لهم :ولكن إن أردتم أن تقطعوها لي، فافعلوا ذلك بينما أنا أصلي، فإني لن أحس بالألم، فقام للصلاة وبدأ الأطباء بقطعها له من المكان السليم، حتى يتيقنوا من أنه لم يبقى منها شيئًا، فلم يبدو عليه بأنه قد تألم، وعندما انتهى من الصلاة عزاه الخليفة بفقدانه لها، فقال له: الحمد لله، لم أفقد إلا واحدًا من أطرافي، فإن كان قد أخذ واحدًا فقد أبقى ثلاثة، وإن كان قد ابتلى فقد عافى، فله الحمد على ما أخذ وعلى ما عافى، وبينما هو هنالك توفي ابن له، وكان أحب أبنائه إليه.
ولم يشتكي من هذا ولا ذاك أبدًا حتى وصل إلى الوادي الذي أصابه المرض فيه، فقال: لقد لقيت من سفري هذا نصبًا، وعندما وصل إلى المدينة، وصله بأن البعض يقول: إن ما أصابه قد أصابه بسبب ذنب عظيم اقترفه، فأنشد متمثلًا بشعر لمعن بن أوس:
لَعَمرُكَ ما أَهوَيتُ كَفّي لِرِيبَةٍ
وَلا حَمَلَتني نَحوَ فاحِشَةٍ رِجلي
وَلا قادَني سَمعي وَلا بَصَري لَها
وَلا دَلَّني رَأيي عَلَيها وَلا عَقلي
وَإِنّيَ حَقا لم تُصِبني مُصيبَةٌ
مِنَ الدَهرِ إِلّا قَد أَصابَت فَتىً قَبلي
وَلَستُ بِماشٍ ما حَيِيت لِمُنكَرٍ
مِنَ الأَمرِ لا يَمشي إِلى مِثلِهِ مِثلي
وَلا مُؤَثِراً نَفسي عَلى ذي قرابَةٍ
وَأَوثِرُ ضَيفي ما أَقامَ عَلى أَهلي
نبذة عن معن بن أوس
هو معن بن أوس بن نصر بن زياد المزني، شاعر فحل، وهو من مخضرمي الجاهلية والإسلام.