قصة قصيدة لما غدا القلب مفجوعا بأسوده
أمّا عن مناسبة قصيدة “لما غدا القلب مفجوعا بأسوده” فيروى بأن أبو يحيى محمد بن معن كان رجلًا رزين العقل، طاهرًا، مهتمًا بالدين وإقامة شرع الله تعالى، وكان كثيرًا ما يعقد المجالس في مجلسه للدراسة، وفي كل أسبوع كان يجلس يومًا مع الفقهاء والمقربين من أهل العلم، فيتناظر القوم في أمور الدين، وخصوصُا في كتب التفسير والحديث، وكان يعقد مجالسًا للشعراء، فيحضر مجلسه فحول الشعراء، ومنهم أبي عبد الله بن الحداد، وابن عبادة، وأحمد بن قاسم المحدث، وابن ملك.
وفي يوم من الأيام حاصره المرابطون بخيلهم، وكان ذلك في آخر دلته بينما كان مريضًا في المرض الذي أودى بحياته، وقاموا بقتاله في منطقة يقال لها قصبة المرية، وهو يحاول أن يعالج المرض الذي حل به، وكان يقول في ذلك: نغص علي شيء حتى الموت، وتوفي بينما كانوا يحاصرونه في عام أربعمائة وأربع وثمانون للهجرة، وبذلك دامت فترة إمارته بالمرية ما يزيد عن الأربعين عامًا.
وقبل وفاته أراد في يوم من الأيام الركوب الى وجهة، والخروج في نزهة، وبينما هو في تلك النزهة أخبر بوفاة حظيّة له، وكان يعشقها، فركب حصانه، وتوجه عائدًا إلى قصره، وأمر بدفنها، ولم يثن عنانه، ولم يعطّل لسانه، وقال في خبر ذلك:
لما غدا القلب مفجوعاً بأسوده
وفضّ كلّ ختام من عزائمه
ركبت ظهر جوادي كي أسلّيه
وقلت للسيف: كن لي من تمائمه
وكتب إلى واحدة من جواريه في كتاب ربطه إلى طير، وطيره إليها، قائلًا:
وحمّلت ذات الطوق مني تحية
تكون على أفق المرية مجمراً
تبلّغ من ودّي إليكم رسائلاً
بأعبق من نشر العبير وأعطرا
نبذة عن أبي يحيى محمد بن معن
هو المعتصم بالله والوثق بفضل الله محمد بن معن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن صمادح بن عبد الرحمن بن عبد الله بن المهاجر بن عميرة بن المهاجر بن سريح بن حرملة بن تميم، وهو ثاني حكام طائفة ألمرية في الأندلس من بني صمادح في عهد ملوك الطوائف.