اشتهر شعراء العصر العباسي بشرب الخمر والمجون، وقد ذكروا ذلك في شعرهم، ومن أشهرهم شاعرنا أبي نواس الذي تغنى في شعره في الخمر وما كان يصنع من رذائل، فكان من امره ما حصل في هذه القصة.
من هو الشاعر أبو نواس؟
هو أبو علي الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح الحكمي المذحجي، شاعر من أشهر شعراء العصر العباسي، والده من دمشق، وأمه من الأهواز، نشأ في البصرة في العراق، ومن ثم انتقل إلى بغداد، وارتبط بخلفاء بني العباس.
قصة قصيدة ما جاءني أحد يخبر أنه
أما عن مناسبة قصيدة “ما جاءني أحد يخبر أنه” فيروى بأن الخليفة هارون الرشيد قرر في يوم من الأيام أن يتم قتل أبا نواس، فأمسك به الجند، وأدخلوه إلى مجلسه، وعندما مثل أبو نواس بين يديه، قال له: أتقتلني حبًا بقتلي يا مولاي؟، فقال له الخليفة: لا والله، ولكنك تستحق أن تقتل، فقال له أبو نواس: وبما استحققت ذلك يا مولاي؟، فقال له الخليفة: عندما قلت:
ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ،
ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ
فما العيْشُ إلاّ سكرَة ٌ بعد سكرة ٍ،
فإن طال هذا عندَهُ قَصُرَ الدهرُ
وما الغَبْنُ إلاّ أن ترَانيَ صاحِيا
و ما الغُنْمُ إلا أن يُتَعْتعني السكْرُ
فَبُحْ باسْمِ من تهوى ، ودعني من الكنى
فلا خيرَ في اللذّاتِ من دونها سِتْر
فقال له أبو نواس: يا مولاي، هل تعلم إن أعطاني الخمر وشربت منه؟، فقال له الخليفة: لا، ولكني أظن بأنك قد فعلت، فقال له أبو نواس: أتقتلني على الظن يا مولاي، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، فقال له الخليفة: حسنًا، ولكنك قد قلت سوى هذا الشعر ما تستحق عليه القتل، فقال له أبو نواس: وماذا قلت يا مولاي؟، فقال له: قولك:
ما جاءني أحدٌ يخبّر أنّهُ
في جنّةٍ مُذ ماتَ أو في نارِ
يقول أبو نواس في هذا البيت بأنه لم يأته أحد ممن ماتوا وأخبره بأن هنالك جنة ونار، وبسبب ذلك فإنه سوف يفعل ما يشاء.
فدعي معاتبتي على تركِ التُقى
وتعتّبي فيه على الأقدارِ
أما العفافُ فليس ذا بأوانهِ
حتى يُلفّعُ بالمشيبِ عذاري
لو عنّ لي قدرٌ يساعدُ صرفهُ
لرأيتِ كيف تعفّفي ووقاري
فقال له أبو نواس: وهل أتاني أحد؟، فقال له الخليفة: لا، فقال له أبو نواس: وهل تقتلني لأني كنت صادق؟، فقال له الخليفة: ألم تقل:
يا أَحمَدَ المُرتَجى في كُلِّ نائِبَةٍ
قُم سَيِّدي نَعصِ جَبّارَ السَمَواتِ
وَهاكَها قَهوَةً صَهباءَ صافِيَةً
مَنسوبَةً لِقُرى هيتٍ وَعاناتِ
أَلُزُّهُ بِحُمَيّاها وَأَزجُرُهُ
بِاللينِ طَوراً وَبِالتَشديدِ تاراتِ
حَتّى تَغَنّى وَما تَمَّ الثَلاثُ لَهُ
حُلوُ الشَمائِلِ مَحمودَ السَجِيّاتِ
فقال له أبو نواس: نعم قلت ذلك، ولكن هل أصبح قولي فعل؟، فقال له الخليفة: لا أعلم، فقال له أبو نواس: وهل تقتلني على شيء لا تعلمه، فقال له الخليفة: حسنًا، دع عنك كل هذا، فإنك قد اعترفت في شعرك بأنك قد زنيت، فقال له أبو نواس: إن الله علم هذا قبلك، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ}
فأمر الرشيد بإطلاق سراحه.
الخلاصة من قصة القصيدة: أمر الخليفة هارون الرشيد في يوم بقتل أبي نواس، وعندما وقف بين يديه، أصبح الخليفة يخبره عن الأسباب التي جعلته يأمر بذلك، وكان أبو نواس يرد على كل سبب ويقنع الخليفة بأنه ليس كافيًا لكي يقتل من أجله، حتى أمر الخليفة بإطلاق سراحه.