قصة قصيدة مثل الرزق الذي تطلبه
أمّا عن مناسبة قصيدة “مثل الرزق الذي تطلبه” فيروى بأن ابن مرج الكحل كان من الناس الذين ينتمون إلى طبقة المجتمع المتدنية الدخل، وكان يخرج في كل يوم من بيته يطلب الرزق، فكان يتوجه إلى السوق، ومعه أشياء يبيعها، ويجلس في السوق حتى يبيع ما معه، ومن ثم يتوجه عائدًا إلى منزله، وعلى الرغم من الوقت الذي يقضيه في السوق إلا أنه لم ينس أن يتابع الأدب والقراءة، فأصبح الشعر يجري على لسانه.
وبعد أن عرفه الناس بسبب شعره، بدأ الأعيان والملوك يسمعون عنه، فأخذوا يدعونه إلى قصورهم، فيقول فيهم قصائد رائعة يمدحهم فيها، ومنهم السلطان بن يوسف بن هود الجذامي، فقد مدحه ابن مرج الكحل في يوم وهو في مجلسه قائلًا:
فَـــتَـــحــتَ بِــلادَ اللَهِ دُونَ مَــشَــقّــةٍ
وَمـا عَـرَفَـت أَربـابُهـا حـادِثَـاً نُـكرا
وَلا بُــدَّ مِـن فَـتـحِ البَـقـيّـةِ عـاجِـلاً
وَيَــعــجَــلُ لِلأَشــيـاءِ خـالِقُهـا قَـدرا
وَكَــم زَهــرَةٍ فَــتّــحَــتَ وَهِــيَ كَــمـامَـةٌ
وَلَم تَجنِ غَير البيضِ مِن فَتحِها زَهرا
أَمــثــلِ ابــنِ هــودٍ آخِــذاً بِــتــراتِهِ
وَمَـن كـانَ مـوتـوراً فَلا يَدَعُ الوَترا
وَإِن كــانَ مَــغــصــوبــاً فَــإِنّ مُـحَـمَّداً
بِــصــارِمِه الهِــنــديّ قَــد رَدَّهُ قَهــرا
وَنــادى عَــلى مُــلكٍ تَــقــهــقــر مُــدَّةً
وَعــادَ إِلى مــا كـانَ فـي مُـدّةٍ أُخـرى
فَــيــوشَــعُ رَدَّ الشَـمـسَ فـي جَـريـانِهـا
وَمـا بُـعـدَت نـوراً وَلا نَـقَـصَـت عَـصرا
وَكَــم آخــرٍ قَــد جـاءَ بِـالفَـضـلِ أَوّلاً
وَهَلأ تُجعَلُ الدُنيا سِواءً مَع الأُخرى
فَــفــي رَمَـضـان لَيـلة القَـدر كَـونَهـا
وَمــا صَــحّــحـت إِلّا أَواخـره العَـشـرا
وفي طلب الرزق الذي يكسبه الناس بتعبهم وعرق جبينهم، أنشد ابن مرج الكحل قائلًا:
مثَلُ الرّزق الَّذي تطلبُه
مثَلُ الظّلّ الَّذي يمشي مَعَكْ
أنت لا تُدركه متّبعاً
وإذا ولّيتَ عنهُ تَبِعَكْ
ولكنه وعلى الرغم من جمال شعره إلا أنه لم يصل إلى مكانة عالية في المجتمع، وبقي من ضمن الطبقة المتدنية إلى المتوسطة، وكان السبب في ذلك كونه خرج من وسط الفقراء، ولم يكن من الطبقة الأغنياء والأعيان في ذلك الوقت، فلم يكن الناس يهتمون بما يقول من شعر، ولم يوصلوا الكثير من شعره إلينا.
نبذة عن ابن مرج الكحل
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن علي بن عبد الله الشقري الجزيري الأندلسي، شاعر من شعراء الأندلس، ولد في إحدى مدن اسبانيا في عام خمسمائة وأربعة وخمسون للهجرة.