قصة قصيدة هلم فقد دعوت إلى البراز

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة هلم فقد دعوت إلى البراز

أمّا عن مناسبة قصيدة “هلم فقد دعوت إلى البراز” فيروى بأنه في يوم من الأيام أمر الحاكم المستنصر محمد بن أبي الحسين، وابنه سعيد، ورجل يقال له أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي أن يقوموا بقراءة كتاب العين، الذي قام بتأليفه الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأمرهم أن يقوموا بقراءته في القصر الذي بقرطبة، وقام بإحضار نسخ كثيرة لهم من ذلك الكتاب، وكان من بين النسخ نسخة القاضي منذر بن سعيد، وهي النسخة الني رواها في مصر عن ابن ولاد.

وبينما هم يقرأون النسخ دخل عليهم المستنصر في يوم من الأيام، وسألهم عن النسخ التي قرأوها، فأخبروه بأن نسخة القاضي قد قام أحد بتحريفها، وقاموا بتوضيح ذلك له، من خلال قراءة نصوص من تلك النسخة فيها مواضع مغيرة، وفيها أيضًا أبياتًا مكسورة، كما أسمعوه ألفاظًا ولغات مبدلة، فاستغرب المستنصر من ذلك، والتفت إلى أبي علي، وسأله عن صحة الخبر، فأكد كلامهم، فأمر بأن يبعث المجلس إلى القاضي، ويستفسر منه عن ذلك، فقام القاضي بكتابة كتاب إلى المستنصر، وكتب له فيه:

جزى الله الخليل الخير عنا
بأفضل ما جزى فهو المجازي

وما خطأ الخليل سوى المغيلي
وعضروطين في دار الطراز

فصار القوم زرية كل زارٍ
وسخرية وهزأة كل هازٍ

وعندما وصل الكتاب إلى المستنصر، قام باستدعاء المجلس، عندما دخلوا عليه: قال لهم: أما القاضي فقد هجاكم، وجعلهم يقرأون ما كتب فيهم، وعندما انتهوا، قالوا للمستنصر: يا مولانا، إنا نحترم مجلسك، ولن نستنقص من أحد فيه، لا سيما رجل في عمر ومنصب القاضي منذر بن سعيد، فإن أردت يا مولانا أن تقف على حقيقة ما وجدناه، فسوف نحضره، وأنت أحضر الأستاذ أبو علي، وعندما يأتي فسوف نتكلم عن كل كلمة وجدناها في غير موضعها في نسخته، فقال لهم المستنصر: أنتم بدأتم والبادئ أظلم، فمد محمد بن أبي الحسين يده إلى ورقة، وتناولها، وكتب عليها قائلًا:

هلم فقد دعوت إلى البراز
وقد ناجزت قرناً ذا نجاز

ولا تمش الضراء فقد أثرت الأسود
الغلب تخطو باحتفاز

وأصحر للقاء تكن صريعاً
بماضي الحد مصقولٍ جراز

رويت عن الخليل الوهم جهراً
لجهلك بالحقيقة والمجاز

دعوت له بخيرٍ ثم أخنت
يداك على مفاخره العزاز

تهدمها وتجعل ما علاها
أسافلها ستجزيك الجوازي

جزى الله الإمام العدل عنا
جزاء الخير فهو له مجازي

به وريت زناد العلم قدماً
وشرف طالبيه باعتزاز

وجلى عن كتاب العين دجناً
وإظلاماً بنورٍ ذي امتياز

بأستاذ اللغات أبي علي
وأخدانٍ بناحية الطراز

بهم صح الكتاب وصيروه
من التصحيف في ظل احتراز

ثم أنشدها للمستنصر، وأمر المستنصر بها فختمت، ومن ثم بعثها إلى القاضي، فلم يرد عليها.

نبذة عن محمد بن أبي الحسين القرطبي

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح، ولد في قرطبة في الأندلس، ومن ثم انتقل إلى مصر وعاش فيها حتى توفي فيها.


شارك المقالة: