قصة قصيدة وإن ترمك الغربة في معشر
أمّا عن مناسبة قصيدة “وإن ترمك الغربة في معشر” فيروى بأن محمد بن أبي سعيد محمد المعروف بابن شرف، كان أديبًا وشاعرًا، وكان مقربًا عند أمير إفريقية المعز بن باديس، وكان الأمير معز قد قدم ابن شرف ومعه شاعر يقال له ابن رشيق على بقية شعراء وأدباء أهل القيروان، فكان الأمير يقرّب أحدهما تارة، ويقرّب الآخر تارة أخرى، وكان الشاعران يتنافسان فيما بينهما لنيل رضا الأمير، ولكن وعلى الرغم من هذا التنافس فيما بينهما إلا أنّهما كانا قريبان من بعضهما البعض، فلم يتغير أي منهما على الآخر، وبقيا على هذه الحال حتى هاجم الصعيد القيروان، وحينها اضطر الأمير أن يغادر المدينة متوجهًا صوب مدينة المهدية في ام أربعمائة وسبع وأربعون للهجرة، فخرج الشاعران مع بقية شعراء أهل المدينة معه، واستقروا جميعًا هنالك.
فأقام ابن شرف هنالك، يعمل على خدمة الأمير وابنه تميم، ومن بعد ذلك خرج من المدينة وتوجه صوب صقلية، فقام صديقه ابن رشيق باللحاق به إلى هنالك، واجتمع به، وأقاما سوية هنالك مدّة من الزمن، ثم اقترح ابن شرف على ابن رشيق أن يدخل إلى الأندلس، فرفض وأنشده قائلًا:
مِــمَّا يُــزَهِّدُنــي فــي أَرْضِ أَنْــدَلُسٍ
سَــمــاعُ مُـقْـتَـدِرٍ فـيـهـا وَمُـعْـتَـضِـدِ
أَلْقـابُ مَـمْـلَكَـةٍ فـي غَـيْـرِ مَـوْضِعِها
كالْهِر يَحْكي انْتِفاخاً صَوْلَةَ الأَسَدِ
فأنشده ابن شرف في نفس اللحظة، قائلًا:
وَإِن تَرمِكَ الغُربَةُ في مَعشَرٍ
قَـد جُـبِلَ الطَبعُ عَلى بُغضِهِم
فَـدارِهِـم ما دُمتَ في دارِهِم
وَأَرضِهِـم مـا دُمتَ في أَرضِهِم
ثم دخل ابن شرف منفردًا إلى الأندلس، وتنقل في نواحيها، حتى استقر في النهاية في مدينة المرية، بعد مقاومة الخطوب، ومقارعة الأهوال، وكان كثير التردد على ملوك الطوائف كآل عباد وغيرهم.
نبذة عن ابن شرف القيرواني
هو أبو عبيد الله محمد بن أبي سعيد بن شرف الجذامي القيرواني، ولد في مدينة القيروان في عام تسعمائة وتسعة وتسعون ميلادية، وهو أديب وشاعر من شعراء الأندلس، وهو واحد من أهم شعراء البلاط عند ملوك الطوائف، وأبرز شعراء المدرسة الشعرية القيروانية.
توفي في مدينة إشبيلية في عام ألف وسبعة وستون ميلادية.