نروي لكم اليوم ما كان من خبر تميم بن المعز الفاطمي وجارية عرضت عليه.
قصة قصيدة وبدا له من بعد ما انتقل الهوى
أما عن مناسبة قصيدة “وبدا له من بعد ما انتقل الهوى” للحلاج فيروى بأن تميم بن المعز الفاطمي كان واحدًا من أكابر الأمراء في دولة أبيه وأخيه العزيز، وقد اتفق بأنه حصل معه حادثة غريبة، وهي أنه أرسل في يوم من الأيام إلى مدينة بغداد، وبينما هو فيها عرضت عليه جارية شديدة الجمال، اشتهرت بإجادتها للغناء، فاشتراها بمبلغ كبير من المال، وفي يوم كان عنده بعض من أصحابه، وبينما هم جالسون دخلت هذه الجارية إلى المجلس، فأمرها أن تغني، وكانت هذه الجارية تحب رجلًا من مدينة بغداد، فغنت متمثلة بأبيات للحلاج:
وَبَدا لَهُ مِن بَعدِ ما اِندَمَلَ الهَوى
بَرقٌ تَأَلَّقَ مَوهِناً لَمَعانُهُ
يقول الشاعر في هذه الأبيات بأنه ظهر له من بعد أن فارقته من يحب برق لمع ضوؤه في السماء.
يَبدو كَحاشِيَةِ الرِداءِ وَدونَهُ
صَعبُ الذُرى مُتَمَنّعٌ أَركانُهُ
فِدنا لِيَنظُرَ كَيفَ لاحَ فَلم يُطِق
نَظَراً إِلَيهِ وَصَدَّهُ سُبحانُهُ
فَالنارُ ما اِشتَمَلَت عَلَيهِ ضُلوعُهُ
وَالماءُ ما سَحَّت بِهِ أَجفانُهُ
ومن ثم غنت أبياتًا أخرى من الشعر، فاشتد طربًا بما سمع منها، وقال لها: لا بد أن تسأليني حاجة لك، فقالت له: لا أريد سوى عافيتك يا مولاي، فقال لها: ومع العافية؟، فقالت له: أن تردني إلى بغداد حتى أغني بهذه الأبيات التي سمعتها، فسكت ووجم، ولكنه لم يجد سبيلًا إلا أن يفي لها بما سألت، فبعثها مع أصحاب له، وأحجبها، ومن ثم سار بها على طريق العراق.
وبينما هم في الطريق أمسوا في ليلة، على أن يدخلوا مدينة بغداد في صباح اليوم التالي، وعندما حل الظلام هربت تلك الجارية، فبحث عنها ولم يتمكن من العثور عليها، وعندما وصله خبرها شق عليه ذلك، وتألم تألمًا شديدًا، وندم أشد الندم، ولكن ندمه لم ينفعه.