قصة قصيدة وكم من صحيح بات للموت آمنا
أمّا عن مناسبة قصيدة “وكم من صحيح بات للموت آمنا” فيروى بأن مسلمة بن عبد الملك بن مروان دخل في يوم من الأيام على الخليفة عمر بن عبد العزيز، وكان الخليفة يومها مريضًا، وعندما دخل عليه مسلمة وجده يرتدي قميصًا وسخًا، فقال مسلمة لأخته فاطمة بنت عبد الملك، وهي زوجة عمر بن عبد العزيز: لم لا تغسلوا قميص أمير المؤمنين؟، فقالت له: والله إنه لا يوجد عنده قميص سواه، ومن ثم أخذت فاطمة تبكي، فبكى معها كل أهل الدار، ولا يعرف هؤلاء ما الذي يبكي عليه هؤلاء، وعندما توقفوا عن البكاء، قالت فاطمة لعمر بن عبد العزيز: ما الذي أبكاك يا مولاي؟، فقال لها: لقد تذكرت منصرف الخلق بين يدي الله تعالى، فريق منهم في الجنة، وفريق منهم في النار، ثم صرخ، وأغمي عليه.
وفي يوم من الأيام عرض عليه مسك من بيت مال المسلمين، فوضع يده على أنفه، وسده حتى قاموا بإبعاده عنه، فسألوه عن سبب فعله ذلك، فقال لهم: وهل ينتفع منه إلا برائحته، وكان كثيرًا ما يتمثل بقول الشاعر:
يرى مستكيناً وهو للقول ماقت
به عن حديث القوم ما هو شاغله
وأزعجه علم عن الجهل كله
وما عالم شيئاً كمن هو جاهله
عبوس عن الجهال حين يراهم
فليس له منهم خدين يهازله
تذكر ما يبقى من العيش فارعوى
فأشغله عن عاجل العيش آجله
وفي يوم من الأيام دخل ميمون بن مهران إلى مجلسه، وكان عنده سابق البربري، وكان سابق ينشد قائلًا:
وكم مِن صَحِيحٍ بات للموتِ آمنا
أتتهُ المَنَايا بَغتةً بعدما هَجَع
فلم يستطع إذ جاءه الموتُ بَغتَةً
فِراراً ولا مِنهُ بِقُوَّتِه امتَنَع
فأصبح تَبكِيهِ النِّساءُ مُقَنَّعا
ولا يَسمَعُ الدَّاعِي وإن صوتُه رَفَع
وقُرِّب من لَحدٍ فَصَارَ مَقِيلَه
وفارق ما قَد كان بالأَمس قد جَمَع
فلا يَترُكُ الموتُ الغَنِيَّ لِمَالِه
ولا مُعدِما في المال ذا حاجةٍ يَدَع
فأخذ الخليفة يبكي ويضطرب حتى أغمي عليه، فقاموا من عنده، وانصرفوا.
نبذة عن سابق البربري
هو أبو عبد الله، أو أبو أمية، شاعر من الزهاد، وهو ليس منسوباً إلى البربر وإنما كان يلقب بالبربري، شاعر من شعراء العصر الأموي.