الكرم صفة محمودة بين الناس، والبخل صفة مذمومة بينهم، ولكن قبل أن نصف أحدهم بالبخل لا بد علينا أن ننظر في حاله، ونرى إن كان بخيلًا أم كان قليل حيلة، واليوم نقص عليكم رأي الشاعر منظور بن سحيم الفقعسي في البخلاء وعذره لهم.
من هو منظور بن سحيم الفقعسي؟
هو شاعر من شعراء العصر الجاهلي، أدرك الإسلام، وهو من أهل الكوفة في العراق.
قصة قصيدة ولست بهاج في القرى أهل منزل
أما عن مناسبة قصيدة “ولست بهاج في القرى أهل منزل” فقد اعتاد العرب في كافة العصور القيمة والمعاصرة على هجاء كل من كان بخيلًا، واعتبروا خصلة البخل خصلة مذمومة، لا يستحق صاحبها المدح، مهما كان فيه من صفات حميدة، فهذه الصفة منعت عن صاحبها المدح، كما واعتاد العرب على مدح من كان كريمًا، فإن الكرم قيمة من القيم العالية التي لا بد أن تكون موجودة في كل واحد منا، وهي ضرورة من الضرورات التي تقتضيها طبيعة حياتنا كعرب، وما فيها من ترحال دائم، وخصوصًا في العصور السابقة التي كان العرب فيها يرتحلون كثيرًا.
وبطبيعة الحال فإن المسافر يكون في أشد الحاجة إلى أحد يحل عليه ضيفًا، وخاصة إن كان في الصحراء، فلا يمكنه الوصول إلى مكان يبيت به، ولا يمكنه الوصول إلى طعام يأكله، فكان لا بد عليهم من اللجوء إلى بيوت الأغراب إن نفذ منهم زادهم.
ولكن هناك العديد من الشعراء الذين امتنعوا عن هجاء البخيلين وذمهم، ومنهم الشاعر منظور بن سحيم الفقعسي، الذي امتنع عن ذمهم، وبين أسباب ذلك في قصيدة له قال فيها:
وَلَسْتُ بِهَاجٍ فِي الْقِرَى أَهْلَ مَنْزِلٍ
عَلَى زَادِهِمْ أَبْكِي وَأُبْكِي الْبَوَاكِيَا
فَإِمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتُهُمْ
فَحَسْبِيَ مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا
وَإِمَّا كِرَامٌ مُعْسِرُونَ عَذَرْتُهُمْ
وَإِمَّا لِئَامٌ فَادَّخَرْتُ حَيَائِيَا
وَعِرْضِيَ أَبْقَى مَا ادَّخَرْتُ ذَخِيرَةً
وَبَطْنِيَ أَطْوِيه كَطَيِّ رِدَائِيَا
يصف الشاعر في هذه الأبيات نفسه بالعفاف عن كل ما هو دنيء، ويقول بأنه لا يهجو أحدًا بسبب الكرم، ولا يتكلم عن أهل منزل، فإما أن يكون أهل ذلك المنزل ميسورين الحال كرامًا، وبذلك حسبه ما عندهم ما يكفيه، أو أن هذا المنزل يكونون معسرين الحال، وفي نفس الوقت يكونون كرامًا، وبذلك وجب عليه عذرهم.
الخلاصة من قصة القصيدة: على الرغم من أن معظم العرب اعتادوا على هجاء البخيل ومدح الكريم، إلا أن هنالك بعض الشعراء الذين امتنعوا عن هجاء البخيل، ومنهم منظور بن سحيم الفقعسي، الذي بين سبب امتناعه عن هجائهم في قصيدة من قصائده.