قصة قصيدة ومن طلب الأوتار ما حز أنفه
أمّا عن مناسبة قصيدة “ومن طلب الأوتار ما حز أنفه” فيروى بأنه كان هنالك رجلًا من بني غراب بن ظالم بن فزارة بن ذبيان بن بغيض يقال له بيهس، وكان بيهس يلقب بالنعامة، وكان له ستة إخوة، وفي يوم من الأيام أغار على بيتهم جماعة من قوم أشجع بن ريث بن غطفان، وأخذوا ما عندهم من إبل، وقاموا بقتل إخوانه الستة، ولم يبق سواه، وكان وقتها يلعب، فقد كان صغيرًا في لسن، فقال أحد الذين أغاروا عليهم: لا بد من أن نقتل هذا أيضًا، ولكن من معه لم يوافقوا، وقالوا: يحسب علينا رجل، ولا خير فيه، فقال لهم بيهس: إن كنتم لا تريدون قتلي، فخذوني معكم إلى الحي، فإن تركتموني هنا وحيدًا، سف تقوم السباع بأكلي، أو سوف أموت من العطش، ففعلوا.
وبينما هم في طريقهم إلى الحي، نزلوا في مكان ظليل، وقاموا بنحر ناقة، وأوقدوا نارًا، وقاموا بطبخ لحمها، وتناولوا الطعام، وأراد أحدهم أن يضع ما تبقى من لحمها في الظل، خوفًا من أن يفسد، فقال له بيهس: إن لحم نيقنا لا يظلل، فقالوا إنه منكر، وأرادوا أن يقتلوه، ولكنهم عدلوا عن ذلك، واستمروا في المسير، حتى وصلوا إلى مكان قريب من حيه، فافترق عنهم، وتوجه صوب حيه، ودخل إلى أمه، وأخبرها بخبر ما حصل مع إخوانه، فقالت له: ولم لم يقتلوك مع إخوانك؟، فقال لها: لو خيرك القوم لاخترت، فعطفت عليه أمه، وأعطته ورثته من إخوته، فقال لها: يا حبذا هذه الورثة لولا المذلة.
وفي يوم من الأيام مر بيهس على جماعة من نساء قومه، وكن يزين واحدة منهن لكي تهدى إلى زوجها، وكان زوجها أحد الذين قاموا بقتل إخوانه، فوضع ثوبه على وجهه، فقلن له النسوة: ويحك، ما الذي تفعله؟، فقال لهن:
ألْبَسْ لكلِّ حَالَةٍ لَبُوسَها
إِمَّا نعيمَهَا وإما بُوسَهَا
ومن بعد ذلك قام بتتبع من قاموا بقتل إخوانه، وقام بقتل جماعة منهم، وأنشد في خبر ذلك:
يا لها من مهجة يا لها
أني لها الطعم والسلامة
قد قتل القوم إخوانها
في كل وادً زقاء هامه
لأطرقنهم وهم نيام
فأبركن بركة النعامة
قابض رجل وباسط أخرى
والسيف أقدمه امامه
وفي خبره أنشد المتلمس قائلًا:
وَمِنْ طَلَبِ الأوْتَارِ مَا حَزَّ أَنْفَهُ
قَصِيٌر وَخَاضَ المَوْتَ بالسَّيْفِ بَيْهَسُ
نَعَامةُ لما صَرَّعَ القومُ رَهْطَهُ
تبيَّنَ فِي أَثْوَابِهِ كَيْفَ يَلْبَسُ.
نبذة عن المتلمس الضبعي
هو جرير بن عبد المسيح الضبعي، شاعر من شعراء العصر الجاهلي، ولد في نجد في شبه الجزيرة العربية، وتوفي في البصرة في العراق.