من يظن بأنه قادر على إحراج الناس، وبأنهم لن يردوا عليه، فهو مخطئ، وما قصتنا لهذا اليوم إلا تأكيدًا على ذلك، وهي عن جار ظن بأنه قادر على إحراج جاره، فانتهى إلى أن كان هو المحرج.
حالة الشاعر
كانت حالة الشاعر عندما أنشد هذه القصيدة عدم الرضا عما فعله جاره عندما أراد إحراجه.
قصة قصيدة ومن ظن ممن يلاقي الحروب
أما عن مناسبة قصيدة “ومن ظن ممن يلاقي الحروب” فيروى بأنه كان في مدينة بغداد رجل يقال له أبو عمرو الجهضمي، وكان له جار، وكان جاره من أجمل الناس وجهًا، وأحسنهم لسانًا، وكان إذا دعي أبو عمرو إلى وليمة، لحق به جاره، ودخل معه إلى أصحاب تلك الوليمة، فأكرموه، ظنًا منهم بأنه بصحبة أبو عمرو.
وفي يوم من الأيام قام أمير أراد أمير البصرة جعفر بن القاسم الهاشمي أن يختن أولاده، فتوقع أبو عمرو بأن يبعث له الأمير برسول يدعوه إلى الوليمة التي سيقيمها، وتوقع بأن يلحق به جاره إلى مجلس الأمير، فقال في نفسه: والله إن لحق بي إلى مجلس الأمير، لأفضحنه أمام كافة أهل بغداد.
وعندما أتاه رسول الأمير يدعوه إلى مجلس الأمير، دخل إلى منزله، وارتدى ثيابه، وخرج إلى مجلس الأمير، فخرج جاره، ولحق به، ودخل معه إلى المجلس، وعندما أحضروا الموائد، وقف معه على نفس المائدة، وعندما أراد أن يأكل قال أبو عمرو بأنه سمع حديثًا عن درسة بن زياد عن أبان ابن طارق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من دخل دار قوم بغير إذنهم فأكل طعامهم دخل سارقا وخرج مغيراً”، فرد عليه جاره قائلًا: والله يا أبا عمرو ما أحببت منك هذا الكلام، فأنت تجلس على مائدة سيد من أطعم الطعام، ولا يوجد أحد من الحاضرين إلا ويظن بأنك تتحدث عنه.
ومن ثم أكمل جاره قائلًا: ألم تستحي أن تحدث عن درسة بن زياد وهو ضعيف، وعن أبان بن طارق وهو متروك عند أهل السنة والجماعة، وإن حكم السارق قطع يده، وحكم المغير التعزير، وأين أنت من حديث رسول الله حينما قال: “طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية”، فلم يحضر أبو عمرو جواب، وسكت، وعندما خرجوا من مجلس الأمير انصرف الجار وهو ينشد قائلًا:
ومن ظنّ ممن يلاقي الحروب
بأن لا يصاب فقد ظنّ عجزا
يقول الشاعر في هذا البيت بأن من كان يظن بأنه سوف يخوض الحروب، ويقاتل، من دون أن يتعرض للجراح، فهو مخطئ في ظنه، أي أنه من أراد أن يحرج غيره، ويظن بأنه لن يحرج، فإنه مخطئ في ذلك.
الخلاصة من قصة القصيدة: كان لأبو عمرو جار، يلحق به إلى كل الموائد، وأراد أبو عمرو أن يحرجه في إحدى تلك الموائد، ولكن جاره أحرجه وأسكته.