ما لا تعرف عن قصة قصيدة “يا دار عمرة من محتلها الجرعا”:
وأما عن شاعر هذه القصيدة فهو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، وهو من شعراء الجاهلية عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، وكان يعيش في الحيرة، كان فارسًا شجاعًا، وكان يجيد اللغة الفارسية، فذهب لعند كسرى وعمل في قصره كمترجم، وكان من اللذين إتطلعوا على أسرار الدولة الفارسية وهو من كتب القصيدة المشهورة التي قال بها:
يَا دَارَ عَمْرَةَ مِنْ مُحْتَلِّهَا الْجَرَعَا ..
هَاجَتْ لِيَ الْهَمَّ وَالْأَحْزَانَ وَالْوَجَعَا
وأما عن قصة قصيدة “يا دار عمرة من محتلها الجرعا”، فقد كان بنو إياد من القبائل التي كانت الأغلبية في العراق في وقت “سابور ذي الأكتاف” وهو ملك الفرس، وفي ذلك الوقت كان سابور يجهز للحرب ضد العرب لكي ينتقم منهم.
وعندما وصل إلى لقيط ما كان يدبره الفرس، قام بإرسال رسالة إلى قومه يحذرهم فيها من الخطر المحدق بهم، وقام بإرسال هذه القصيدة لقبيلته “إياد”، التي كانت تعيش في سواد العراق، وقد حذرهم في قصيدته من أن يتفرقوا، وأن ينشغلوا بحياتهم وكسبهم وملاهي الحياة، وأنهم بخطر محدق، وأن الأعداء على الأبواب.
وقال شعراً بدأه بقوله :
سَلامٌ في الصَّحِيفَةِ منْ لقِيطٍ ..
عَلى مَنْ في الجَزيرةِ منْ إيادِ
أتَاكُمْ مِنْهُمُ سَبْعونَ ألفاً ..
يَجُرُّونَ الكَتَائِبَ كَالجَرادِ
ومن ثم قام باتباعها بقصيدة تدعى القصيدة العينية، وفي هذه القصيدة أنرهم من الفرس وبأنهم ينترون الفرصة المناسبة لكي يغزوهم، ويستولوا على بلادهم، وينصحهم بأن يتجهزوا للحرب وأن يكونوا يقظين، وترك أعراض الدنيا، وقد بدأ قصيدته بالغزل بدياره وحنينه إليها، وقال:
يَا دَارَ عَمْرَةَ مِنْ مُحْتَلِّهَا الْجَرَعَا ..
هَاجَتْ لِيَ الْهَمَّ وَالْأَحْزَانَ وَالْوَجَعَا
تَامَتْ فُؤَادِي بِذَاتِ الْجِزْعِ خَرْعَبَةٌ ..
مَرَّتْ تُرِيدُ بِذَاتِ الْعَذْبَةِ الْبِيَعَا
بمُقْلَتَيْ خَاذِلٍ أَدْمَاءَ طَاعَ لَهَا ..
نَبْتُ الرِّيَاضِ تُزَجِّي وَسْطَهُ ذَرَعَا
وَوَاضِحٍ أَشْنَبِ الْأَنْيَابِ ذِي أُشُرٍ ..
كَالْأُقْحُوَانِ إِذَا مَا نُورُهُ لَمَعَا
جَرَّتْ لِمَا بَيْنَنَا حَبْلَ الشُّمُوسِ فَلاَ ..
يَأْساً مُبِيناً أَرَى مِنْهَا وَلاَ طَمَعَا
فَمَا أَزَالُ عَلَى شَحْطٍ يُؤَرِّقُنِي ..
طَيْفٌ تَعَمَّدَ رَحْلِي حَيْثُمَا وُضِعَا
إِنِّي بِعَيْنَيَّ إِذْ أَمَّتْ حُمُولُهُمُ ..
بَطْنَ السَّلَوْطَحِ لاَ يَنْظُرْنَ مَنْ تَبِعَا
طَوْراً أَرَاهُمْ وَطَوْراً لاَ أُبِينُهُمُ ..
إِذَا تَوَاضَعَ خِدْرٌ سَاعَةً لَمَعَا
وفي النهاية حذرهم ونبههم، واستنهضهم ويقول لهم: على الرغم من هذا التحذير إلا أن قومه لم يقوموا بالاستعداد، فقام الفرس بالإيقاع بهم وحكموا عليهم بأن خلعوا لهم أكتافهم. وعندما علم كسرى بأن لقيط قد أبلغ قومه غضب عليه وقطع لسانه ثم قتله.