اعتاد الشعراء عندما أرادوا مدح أحدهم أن ينشئوا قصائدهم قبل أن يلتقوا بمن يريدون مدحه، وكانوا يتجنبون الإنشاد على البديهة، ولكن هنالك شعراء قاموا بمدح رجال على البديهة، وعلى الرغم من أن ذلك ينفعهم في العديد من المواقف، إلا أنه قد يضرهم عندما يخطئون المعنى المراد، ومن ذلك ما حصل مع شاعرنا إسحق الموصلي عندما حاول تجميل صورة قصر الخليفة المعتصم بالله في بيت من الشعر، ولكنه ومن دون قصد منه جعل الخليفة يتطير من ذلك القصر.
من هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي؟
إسحاق بن إبراهيم بن ميمون بن بهمن الموصلي، شاعر من شعراء العصر العباسي، ولد في مدينة الري، وتوفي في مدينة بغداد.
قصة قصيدة يا دار غيرك البلى ومحاك
أما عن مناسبة قصيدة “يا دار غيرك البلى ومحاك” فيروى بأن الخليفة المعتصم بالله بن هارون الرشيد قام ببناء قصر في مدينة سامراء في عام ثمانمائة وستة وثلاثين ميلادي، وكان هذا القصر يقال له قصر الخلافة أو دار الخلافة، وكان هذا القصر يعد المقر الرسمي للحكومة في عهده، ومن ثم سكنه الخلفاء من بعد المعتصم، وممن سكنه من بعده المنتصر بالله والمستعين بالله والمهتدي بالله والمعتمد على الله، ويعد هذا القصر جزءً من مدينة سامراء الأثرية.
ويروى بأنه عندما انتهى الخليفة المعتصم من بناء هذا القصر، جلس في يوم من الأيام فيه، وكان معه جماعة من أعيان جلسائه وندمائه، وكان مسرورًا بما تم انشاءه، ولم يرى الناس خيرًا من ذلك اليوم من الخليفة المعتصم بالله، وبينما هم جالسون دخل إسحق بن إبراهيم الموصلي، ووقف بين يدي الخليفة، وأنشده بيتًا من الشعر يهنئه فيه على هذا القصر العظيم قائلًا:
يا دار غيرك البلى ومحاك
يا ليت شعري ما الذي أبلاك
حاول الشاعر تهنئة الخليفة المعتصم الله في قصره في هذا البيت، ولكنه ذكر كلمة البلاء تكرارًا فيه.
وعندما سمع الخليفة ذلك، تطير مما سمع، وأخذ الحاضرون يتغامزون، وتعجبوا من هفوة الشاعر، على الرغم من علمه وفهمه، وطول خدمته للخلفاء، وخرج الخليفة من ذلك المجلس غاضبًا، وذكر أنه لم يعد إليه من بعد ذلك اليوم أبدًا.
الخلاصة من قصة القصيدة: قام الخليفة المعتصم بالله ببناء قصر مهيب، وجلس في يوم في ذلك القصر، ودخل الناس إليه يهنئونه، ومنهم إسحق الموصلي، الذي دخل وأنشده بيتًا من الشعر يهنئه فيه على ذلك القصر، ولكنه جعل الخليفة يتطير منه.