قصة قصيدة يا راكبا نحو المدينة جسرة
أمّا عن مناسبة قصيدة “يا راكبا نحو المدينة جسرة” فيروى بأن أبو مروان عبد الملك الملقب بالغريض خرج في يوم من الأيام من مكة المكرمة تجاه المدينة المنورة، وكان معه في سفره رجل يقال له معبد بن وهب، وكان كلًا من الغريض ومعبد مغنيان، وعندما وصلا إلى تلة تطل على مكة المكرمة، قال الغريض لمعبد: يا أبا عباد، لك كل من كان في مكة من أهل المدينة، فأخذ معبد ينشد شعرًا لعمر بن أبي ربيعة، وهو راكب نحو المدينة، قائلًا:
يا راكِباً نَحوَ المَدينَةِ جَسرَةً
أُجُداً تُلاعِبُ حَلقَةً وَزِماما
إِقرَء عَلى أَهلِ البَقيعِ مِنِ اِمرِئٍ
كَمِدٍ عَلى أَهلِ البَقيعِ سَلاما
كَم غَيَّبوا فيهِ كَريماً ماجِداً
شَهماً وَمُقتَبِلَ الشَبابِ غُلاما
وَنَفيسَةٍ في أَهلِها مَرجُوَّةً
جَمَعَت صَباحَةَ صورَةٍ وَتَماما
وعندما كان معبد يغني هذه القصيدة، سمع الغريض أصوات البكاء من سطوح البيوت في كل أنحاء مكة، من كان من أهلها، أو كان من أهل المدينة المنورة، فأخذ معبد يغني شعر كثير بن كثير بن الصلت قائلًا:
أسعداني بعبرةٍ أسرابِ
من دموعٍ كثيرة التّسكابِ
إن أهل الخضابِ قد تركوني
موزعاً مولعاً بأهل الخضابِ
سكنوا الجزْع جزعَ بنت أبي موسى
إلى النَّخلِ من صُفيّ السيابِ
سكنوا بعد غبطةٍ ورجاءٍ
وسرورٍ بالعيشِ تحتَ التُّرابِ
كم بذاك الحجون من حيّ صدقٍ
وكُهول أعفَّةٍ وشبابِ
فارقوني وقد علمتُ يقيناً
ما لمن ماتَ مِيتةً من إيابِ
أهلُ بيت تَتَابعوا للمنايا
ما علَى الموتِ بعدهُم من عتابِ
فلي اليوم بعدهم وعليهم
صرتُ فرداً وملَّني أصحابي
فما بقي بيت من بيوت مكة إلا وسمعوا بها صوت الصراخ، وبقوا يبكون حتى الصباح.
نبذة عن عمر بن أبي ربيعة
عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، شاعر من شعراء العصر الأموي، ولد في مكة المكرمة في عام ثلاث وعشرين للهجرة، ويعتبر أحد زعماء شعر الغزل في عصره، ولم يكن في زمانه من هو أشعر منه في قريش.
توفي عمر بن أبي ربيعة في عام ثلاث وتسعين للهجرة في مكة المكرمة.