قصة قصيدة "يا رجال العلم يا ملح البلد

اقرأ في هذا المقال


سفيان الثوري

هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ولد عام سبعة وتسعون للهجرة في الكوفة، وهو فقيه، واحد من أئمة الحديث، وهو من الزاهدين، توفي عام مائة وواحد وستون للهجرة.

مناسبة القصيدة

أمّا عن مناسبة قصيدة “يا رجال العلم يا ملح البلد” فيروى بأن أحد الرجال تزوج فتاة من قبيلته، وكانت هذه فتاة شديدة الجمال، وبعد ما يقرب العام على زواجهما، حصل بين هذا الرجل وابن عم له مشاجرة، وقتله، وقام بالهرب من الديار هو وزوجته، وتوجه إلى قبيلة أخرى بعيدة كل البعد عن قبيلته، وتعرف الرجل على كبير القبيلة، وأصبح يجلس في مجلسه مع بقية رجال القبيلة، يمضون الوقت في الحديث.

وفي يوم من الأيام مرّ زعيم القبيلة من أمام منزل هذا الرجل، ورأى زوجته، فسحر بجمالها، وتمكن حبها في قلبه، وأصبحت هي كل ما يفكر به، وبقي يفكر بطريقة حتى يختلي بها، وبقي يفكر حتى أتته فكرة، وهي أن يقوم بإبعاد زوجها عن القبيلة، حتى يستطيع الانفراد بها، فتوجه إلى مجلسه، وكان زوجها هنالك جالسًا مع الرجال، فقال لهم: يا قوم، لقد سمعت عن مكان، وفير المياه، وأريد أن أتأكد من هذه، ولذلك فقد قررت أن أبعث أربعة رجال، لكي يتحققوا من صحة الخبر، وقام باختيار أربعة رجال، وكان منهم زوج المرأة التي وقع بحبها، فتوجه الأربعة رجال إلى المكان الذي أخبرهم به كبير القبيلة، وكان المكان يبعد مسير ثلاثة أيام ذهابًا وإيابًا.

وعندما جاء الليل، ونام أهل الحي، توجه إلى بيت الرجل، ولم يكن فيه سوى زوجته وقد كانت نائمة، وقبل أن يصل ارتطم بالعامود، ففزعت المرأة من الصوت، واستيقظت من نومها، ونادت: من في الخارج؟، فقال لها: أنا كبير القوم، فرحبت به، وسألته عما يريد في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل، فأخبرها بأنه قد أعجب بها، وأنّه يريد قربها، فقالت له المرأة بأنه لا مانع لديها ولكن عندها شرط، وهو أن يستطيع الإجابة عن لغز، فأخبرها بأنه موافق على ذلك، فقالت له: حتى لا يتلف الملح، يقومون بوضع الملح عليه، فإذا تلف الملح، من يقوم بإصلاحه؟، وإن أجبت على هذا اللغز فلك ما تريد، فأخبرها بأنّه سوف يأتيها بالإجابة في الليلة التالية، وتوجه إلى منزله.

وبقي يفكر في الإجابة طوال الليل، ولكنّه لم يصل إلى نتيجة، وفي اليوم التالي كان رجال القبيلة مجتمعون في مجلسه، فسألهم قائلًا: حتى لا يتلف اللحم، يضعون عليه الملح، فإذا تلف الملح فمن يستطيع إصلاحه؟، ولكن أحدًا منهم لم يستطع الإجابة على سؤاله، وكان أحد الرجال ذا حكمة وأدب وعلم، ولكنه لم يقل أي شيء، وانتظر حتى غادر الجميع، وبقي لوحده هو وكبير القوم، فقال له كبير القوم: إنك لم تجب على سؤالي، فقال له: لقد انتظرت حتى يغادر الحاضرون، لأنّي أردت أن أجيبك على سؤالك ونحن لوحدنا، إنّ اللغز الذي قلته يعود إلى بيت من الشعر قاله سفيان الثوري، فقد قال:

يا رجال العلم يا ملح البلد
من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد

يا سيدي إني أظن بأن قد راودت امرأة عن نفسها، وهذه المرأة ذكية، ولم ترد أن تفضحك أو تصدك، ولكنّها أرادت أن تقول لك بأدب بأنّها لن تخون زوجها، وكانت تقصد بقولها بأنه إذا فسد رجل من القوم فإن كبير القوم هو من يصلحه، ولكن إذا فسد كبير القوم فمن يصلحه، فندم الكبير على ما فعل ندمًا شديدًا، وأصابه الخجل، وطلب من الشيخ أن يستر عليه.


شارك المقالة: