قصة قصيدة يا قمرا أبرزه مأتم
اعتاد شاعرنا أبو نواس على التغزل في النساء، كما اتعاد على إنشاد القصائد فيهن وفي جمالهن، ومن هؤلاء الفتيات فتاة شديدة الجمال كان أبو نواس قد رآها في مأتم أبيها، وأعجب بجمالها فأنشد فيها شعرًا رغم الحزن الذي كانت فيه.
أما عن مناسبة قصيدة “يا قمرا أبرزه مأتم” فيروى بأن رجلًا في الكرخ يقال له مبارك، وكان هذا الرجل هو حارس لأحد أسواق المدينة، وكان هذا الرجل يلبس ملابسًا بيضاء نظيفة، وكان لا يبدو عليه بأنه حارس، وكان مبارك يركب على حماره، ويطوف وهو راكب عليه السوق، وكان في النهار يضعه في البيت ويبقيه هنالك، فإذا رآه شخص لا يعرفه يظن بأنه أحد تجار السوق، وكان في كل شهر يأتيه خراج من أهل السوق، وكان هذا الخراج يكفيه هو وأهل بيته، وكان عند هذا الرجل فتاة من أجمل فتيات المدينة، وفي يوم من الأيام توفي مبارك، وعندما أخرجوه من بيته لكي يدفنوه، خرجت معهم ابنته هذه، وكانت حاسرة بين يديه، وعندما رآها أبو نواس على هذه الحال أخذ ينشد قائلًا:
يا قَمَراً أَبرَزَهُ مَأتَمٌ
يَندُبُ شَجواً بَينَ أَترابِ
يتغزل أبو نواس في هذا البيت بالفتاة التي رآها في مأتم أبيها، فكانت كالقمر الذي ظهر من ذلك المأتم، وهي تبكي من الحزن والألم، وتنزل دموعها على التراب.
يَبكي فَيَذري الدُرَّ مِن نَرجِسٍ
وَيَلطُمُ الوَردَ بُعُنّابِ
لا تَبكِ مَيتاً حَلَّ في حُفرَةٍ
وَاِبكِ قَتيلاً لَكَ بِالبابِ
أَبرَزَهُ المَأتَمُ لي كارِهاً
بِرُغمِ داياتٍ وَحُجّابِ
لا زالَ مَوتاً دَأبُ أَحبابِهِ
وَلَم تَزَل رُؤيَتُهُ دابي
وقال أيضًا:
يا مُنسِيَ المَأتَمِ أَشجانَهُم
لَمّا أَتاهُم في المُعَزّينا
حَلَّت قِناعَ الوَشيِ عَن صورَةٍ
أَلبَسَها اللَهُ التَحاسينا
فَاستَفتَنَتهُنَّ بِتِمثالِها
فَهُنَّ لِلتَكليفِ يَبكينا
حَقٌّ لِذاكَ الوَجهِ أَن يَزدَهي
عَن حُزنِهِ مَن كانَ مَخزونا
نبذة عن أبي نواس
هو أبو علي الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح الحكمي المذحجي، من أشهر شعراء العصر العباسي، نشأ في البصرة، ومن ثم انتقل إلى بغداد، واتصل بالخليفة هارون الرشيد والخليفة الأمين.
الخلاصة من قصة القصيدة: رأى أبو نواس في يوم من الأيام فتاة شديدة الجمال، وهي في مأتم أبيها، فأنشد فيها شعرًا، وكان يتغزل بها في هذا الشعر.