قصة قضية ألفريد دريفوس

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية الصادرة عن الأدب الفرنسي، وقد تمحور حديثها حول أحد الضباط الفرنسيين من أصول يهودية قد أثيرت حوله قضية واتهم بها بالخيانة، ولكن ما تبين أنه بريء في النهاية.

قصة قضية ألفريد دريفوس

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول قضية رأي عام حدثت في دولة فرنسا حول إحدى الشخصيات من أصول يهودية ولكنه يقيم في تلك الدولة وهو ما يدعى ألفريد، حيث أن ألفريد كان يعمل كضابط في الجيش الفرنسي وهو ابن أحد صناع النسيج المشهورين في فرنسا ويدعى رفائيل، كان قد ولد ألفريد في مدينة ألزاس التابعة لفرنسا، وفي يوم من الأيام حينما اندلعت الحرب الفرنسية البروسية في أواخر القرن الثامن عشر تم ضم مدينة إلزاس إلى دولة ألمانيا، وهذا الأمر جعل عائلة ألفريد تنتقل للعيش في مدينة باريس، وبقوا هناك إلى أن التحق ألفريد بمدرسة النخبة العسكرية في باريس.

وأول ما تخرج ألفريد من مدرسة النخبة العسكرية سرعان ما حصل على تعيين في الجيش الفرنسي برتبة ملازم أول، وعلى مدار عاميين متتاليين كان ألفريد يتلقى التدريب داخل المدرسة المدفعية؛ وذلك من أجل أن يصبح أحد ضباط المدفعية، كما تم تعيينه من ضمن فوج المدفعية الذي تم وضعه في مدينة لومان، ثم بعد ذلك انتقل للعمل في مدفعية محمولة ملحقة بفرقة الفرسان الأولى في مدينة باريس، ومع مرور الوقت تمت ترقيته بعد ذلك ليصبح برتبة نقيب.

وفي تلك الفترة عزم ألفريد على الزواج من فتاة تدعى لوسي أوجيني، وقد كان في ذلك الوقت يبلغ من العمر الواحد والثلاثون عاماً، بينما لوسي كانت تبلغ من العمر عشرون عامًا، وبعد مضي أول ثلاثة أيام من زواجه علم ألفريد أنه قد تم قبوله للعمل في إحدى المدارس التي تعرف باسم المدرسة العليا أو ما تعرف بين العديد باسم الكلية الحربية.

وبعد أن التحق بتلك الكلية لمدة عامين متتاليين احتل المرتبة التاسعة في فصله وتخرج منها بدرجة مشرف وفي تلك الأثناء تم تعيينه على الفور كمتدرب في مقر الأركان العامة التابع للجيش الفرنسي، وقد كان ألفريد الضابط اليهودي الوحيد في ذلك المقر، وعلى الرغم من أن هناك العديد من الرؤساء الذين أبدوا رأيهم في معارضتهم حول تعيين ضابط من أصول يهودية بينهم، إلا أن الجيش الفرنسي كان مفتوحاً في تلك الفترة لإشراك العديد من الجماعات اليهودية، وقد وصل عددهم إلى ما يقارب ثلاثمئة جندي يهودي في رتب متنوعة.

وفي بداية عمل ألفريد في مقر الأركان كان يسير كل شيء بشكل طبيعي، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي وجدت به إحدى السيدات الفرنسية والتي كانت تعمل في مجال التنظيف في السفارة الألمانية على إحدى الأوراق المكتوبة بخط اليد وممزقة وملقى بها داخل سلة مهملات، وعلى تلك الورقة واحد من أهم الأسرار العسكرية الفرنسية، وقد كان من الواضح أن هناك شخص تابع للجيش الفرنسي قد بعث بها إلى القوات الألمانية.

وأول ما وصلت تلك الورقة إلى أيدي المسؤولين الفرنسيين سرعان ما قامت إدارة مكافحة التجسس التابعة للجيش الفرنسي تحقيقاتها بشأنها، وقد تم التوصل من خلال التحقيقات والتي كان يترأسها المقدم الذي يدعى جان إلى أن المعلومات المكتوبة بتلك الورقة هي ما تتعلق بأجزاء المدفعية الجديدة وتلك المعلومات تم تمريرها إلى السيد ماكسيميليان وهو الملحق العسكري الألماني في القيم في باريس، وكما تو توضيح أن تلك الورقة قد وصلت إليه من قبل جاسوس رفيع المستوى وهو على الأرجح شخص داخل هيئة الأركان العامة.

وأول ما اتجهت أصابع الاتهام كانت حول ألفريد، وعلى إثر ذلك تم إلقاء القبض عليه بتهمة الخيانة، ولم تمضي عدة أشهر حتى تم إدانته من خلال إجراءات موجزة تم اتخاذها في محاكمة عسكرية سرية للغاية، وبعد فترة وجيزة تم تجريده على وجه العلن من رتبته العسكرية، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في إحدى الجزر التي تعرف باسم جزيرة ديفيلز الواقعة في مدينة غيانا.

ولكن لم تتوقف الأحداث وتنتهي القضية هنا؛ وذلك لأنه قام أحد الرؤساء في المخابرات العسكرية الفرنسية وهو ما كان قد استلم منصبه عن جديد ويدعى الكولونيل جورج بإبلاغ الرؤساء في العمل أنه عثر على أدلة تشير إلى أن الخائن الحقيقي هو الرائد الذي يدعى فرديناند بالإضافة إلى جندي آخر يدعى إسترهازي، لكن ما حصل هو أنه على إثر إبلاغ الكولونيل جورج بهذا الأمر سرعان ما تم نقله من أجل قيادة فوج ترايلر والذي كان متمركز في مدينة سوسة الواقعة في دولة تونس، وهنا بدأت الشكوك تدور في ذهن الكولونيل أن السبب في نقله هو محاولة إسكاته.

وبعد مرور عام على تلك القضية تم تسريب أخبار حول احتمالية براءة ألفريد إلى الصحافة، وعلى إثر تلك الأخبار حدث هناك العديد من النقاشات الساخنة حول معاداة السامية والهوية الفرنسية، وقد تم اعتبارها أنها أمة كاثوليكية أو جمهورية تقوم على حقوق متساوية لجميع المواطنين.

وبعد العديد من الضغوطات تمت محاكمة الضابط استرهازي من خلال محاكمة عسكرية سرية للغاية وأقرت المحكمة أنه شخص غير مذنب، ثم بعد ذلك هرب من خلال تنكره إلى إنجلترا وقام هناك بحلق شاربه من أجل أن يغير في ملامحه وعدم التعرف عليه، وأثناء تواجده في مدينة لندن نشرت إحدى الصحف الفرنسية من قِبل مراسلة صحفية تعمل في جريدة الأوبزرفر في باريس مقال أشارت من خلاله أنه حدث تواصل بينها وبين الضابط إسترهازي وقد صرح أنه هو من كتب الورقة التي أدخلت ألفريد السجن، كما قامت باتهام الحكومة الفرنسية بأنها معادية للسامية ودعت لمن أجل إعادة محاكمة ألفريد.

ولكن مسؤولو الجيش الفرنسي لم يقوموا بإعادة محاكمة ألفريد، ومنذ تلك اللحظة وقد بدأت حملة عاطفية كبيرة لأنصار ألفريد داخل فرنسا كما شارك في تلك الحملة كبار الفنانين والمفكرين والصحفيين ومن بينهم الكاتب إميل زولا، والذي رأى البعض أنه تم قتله جراء مناصرته لقضية ألفريد.


وبعد الضغوطات الكبيرة تمت إعادة محاكمة ألفريد مرة أخرى من جديد، لكن المحكمة لم تلتفت ابداً إلى التقارير التي تدين الضابط إسترهازي وأعلنت مرة أخرى أن ألفريد مذنب بتهمة الخيانة، وهذا الأمر قد زاد من حدة الضغوطات، وذات يوم قررت الحكومة أن تعرض على ألفريد تسوية، وذلك بأن يقوم من خلالها بالاعتراف بذنبه، وفي المقابل يتم إطلاق سراحه، وإن لم يقوم بذلك فقد هددوه بأن يتم إعادته حبسه، وهذه المرة في جزيرة الشيطان وافق ألفريد على تلك التسوية، وتم إطلاق سراحه.

وبعد أن تم إطلاق سراحه عارض الكثير قبول ألفريد تلك التسوية، وأشاروا إلى أنه كان ينبغي عليه الاستمرار في القتال حتى يثبت الكذب الجوهري للجيش في قضيته، وأنه يتوجب عليه محاولة الاستئناف حتى يثبت للعالم أجمع براءته، بينما رأى الآخر أن صحته لم تعد تتحمل السجن الرهيب بالجزيرة سيئة السمعة، كما ادعى البعض أن عائلة ألفريد قد تعرضت لضغوطات شديدة من قِبل الحشود اليهودية ومن الجمهوريين في فرنسا، وأن جميع الأطراف كانت تريد إنهاء الجدل حول تلك القضية بشكل نهائي.

وفي النهاية تم وضع ألفريد تحت الإقامة الجبرية في منزل إحدى شقيقاته لمدة عامين، وفي بداية القرن التاسع عشر أعلنت لجنة عسكرية براءته من التهمة التي وجهت إليه وتمت إعادة رتبته العسكرية وترقيته لرتبة رائد، وبعد مرور ما يقارب على الأسبوع تم تعيينه فارسًا في الجيش كما تم منحه وسام جوقة الشرف، بالإضافة إلى ذلك تم تعيينه عين في قيادة وحدة المدفعية التابعة إلى مدينة فينسين، ثم بعد ذلك تم نقله من أجل قيادة وحدة مدفعية أخرى.

ولكن على الرغم من كل ما حدث معه، إلا أنه تعرض لمحاولة اغتيال من قبل أحد الصحفيين في دولة اليمن ويدعى لويس، وقد حدث ذلك أثناء حضوره لحفل تأبين الكاتب إميل زولا، لكن العيار الناري قد أصاب ذراعه فقط، وبعد مرور عدة سنوات توفي ألفريد في فرنسا وتم افتتاح متحف تحت اسم قضة ألفريد.

المصدر: كتاب قصة الأدب الفرنسي - أمينة رشيد - 2015


شارك المقالة: