قصة من مذكرات سجين

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الشاعر والمؤلف فرنسوا كوبيه وهو من مواليد دولة فرنسا من أبرز الكُتاب والشعراء الذين برزوا على مستوى دولة فرنسا والعالم أجمع، وقد أطلق عليه لقب الشاعر المتواضع، ومن أبرز قصصه قصة من مذكرات سجين، والتي كانت تعالج قضية كانت قد سادت في مختلف المجتمعات الدولية.

نبذة عن القصة

تناولت القصة موضوع السرقة والدوافع التي تقود الإنسان إلى السير خلف تلك التصرفات المشينة والمنبوذة في مختلف المجتمعات الدولية على حد سواء، فقد أراد الكاتب أن يقوم بالتطرق إلى أحد الظواهر السائدة ومدى تأثيرها على الفرد وعلى المجتمع من حوله، فقد سردت حياة شاب لجأ إلى السرقة من أجل تأمين احتياجات ومتطلبات حبيبته وبقي في ذلك الطريق إلى أن أوصلت به تلك الحالة إلى الانتحار.

 قصة من مذكرات سجين

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في أحد الأيام الذي كانت متمم لقضاء ستة شهور كان قد حكم بها على أحد الأشخاص الذي قام في فترة من الفترات وأثناء عمله في أحد الأماكن على سرقة مبلغ يقدر بألفي فرنك من إحدى خزائن المكان الذي يعمل به، فقد كان ذلك اليوم هو آخر الأيام التي يكفر بها المذنب عن خطيئته وينظف نفسه من الإثم الذي قام بارتكابه، فقد كان السارق يتأمل في اليوم الأخير أن يقوم السجان في الصباح بالقدوم إليه مع الملابس الخاصة به التي كان يرتديها آخر مرة قبل دخوله السجن، فقد كانت تلك الملابس ما زالت صورتها عالقة في ذهنه ولا يقوى على نسيانها.

فقد كانت تلك الملابس مصنوعة على أحدث طراز وكانت من أحدث الموديلات في تلك الفترة، وقد بدأ يفكر السجين أنه حينما يخرج من السجن ويستحم ويرتدي تلك الملابس الحديثة ويخرج إلى الشوارع ويتجول فيها لا يمكن لأي شخص أن يدرك أن ذلك الشخص خارج من السجن، وقد كان الوقت الذي تم تعيينه لخروجه هو في تمام الساعة الثامنة صباحاً، وقد كان يتخيل أن حبيبته التي تدعى مارغريت تقوم بانتظاره له أمام السجن، فقد كان لم يبقى عليه سوى ليلة واحدة عليه في السجن.

وقد بات يحلم بالحرية التي سوف يحصل عليها بعد انقضاء تلك الليلة وبدأت السعادة تعرية ويعد اللحظات والدقائق حتى تنقضي بها تلك الليلة بسرعة، وقد كان أمله الكبير في أن تكون حبيبته مارغريت التي ارتكب تلك الجريمة من أجلها ومن أجل تحقيق أحلامها وتلبية كافة متطلباتها أن تقوم بالقسم له من خلال خطاب خاص بها أنها قضت كل تلك الفترة الماضية في انتظار خروجه وأنها ما زالت على العهد الذي أقيم بينهم وأنها لم تلتفت إلى أي شخص آخر دونه.

وقد بدأ يتخيل في الحياة التي سوف يكملها مع حبيبته في مدينة باريس، فقد كانت تلك المدينة ترمز في نظره إلى أنها تستر كل ذنب قد ارتكبه أي شخص من الأشخاص وأنها تغفر أي إثم يرتكبه أي فرد، وكان يتمتع بحيوية ونشاط كبيرين إذ كان ذلك الأمر يجعله يحلم بالحصول على عمل بشكل سريع ويكنف هو وحبيبته حياة مليئة بالسعادة والفرح، وهنا بقي يركز كامل تفكيره في اليوم التالي فيحلم برؤية حبيبته داخل عربة قادمة من أجل عودته فيعتلي العربة إلى جانبها ويأمر سائق العربة بالتوجه نحو منزلها.

وعند وصولهم إلى منزل مارغريت تذهب مارغريت إلى غرفتها الخاصة والتي كانت تقع في منطقة مشرفة على الحدائق المعروفة باسم حدائق لوكسمبرج وتعد له مائدة كبيرة من الإفطار في تلك الغرفة التي تسطع بها أشعة الشمس وتبدو كأنها ترقص فرحاً وسروراً بعودته، وبعد الانتهاء من تناول وجبة الإفطار تسير مارغريت لإعداد القهوة له، فقد كان السجين يمتلك مساحة خيال واسعة تجعل يحلم بأشياء لا تتطابق مع أرض الواقع.

ولكن بعد تخيله وحلمه بكل هذه الأشياء فكر في الانتحار فقد أخذ يفكر إذا ذهبت مارغريت في يوم من الأيام إلى أحد محلات المجوهرات وأعجبت في إحدى القطع الثمينة مثل خاتم من الألماس أو قطع كبيرة من الذهب الخالص، فإنه لا يقوى على عدم تلبيته لطلبها ورغبتها ويعزم على السرقة مرة أخرى، ولهذا فإنه كان يعتقد أنه سوف يكرر الخطأ الأول مرة أخرى وأن الشخص يفكر هكذا لا ينبغي عليه أن يخرج من القبر على الاطلاق، فمن وجهة نظره أن الإنسان المخطئ يجب عليه أن يتعلم من خطأه ويتجنبه في المرات القادمة، وإلا لا يستحق أن يعيش بين الناس.

وهنا بدأ يسأل نفسه أهو في الحقيقة هكذا إنسان مجرم وسارق، أو أنه إنسان قد فقد عقله وأصبح إنسان مجنون، ومن هنا بدأ يتذكر في اللحظات الأولى التي كان قد تعرف فيها على حبيبته مارغريت، وأنه كيف سرعان ما تعلق بها وأحبها وكرس حياته من أجل تلبية طلباتها ورغباتها بأي شكل من الأشكال وبأي وسيلة كانت، سواء تلك الوسيلة تتطابق مع العادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع أم لا، وكيف في وقتها تغير من إنسان محترم وملتزم وله مكانة بين الناس إلى إنسان يقطن في السجون جراء أسوأ السلوكيات المجتمعية .

فقد كان كل حلمه هو الحظي بحب مارغريت إذ كان يؤمن لها لوازم النساء ويذهب بها إلى المسارح وأماكن اللهو والمقاهي، وأنه كيف في أحد المرات نظرت مارغريت إلى محل مجوهرات، وبدأت تسأل عن سعر قطعة ثمينة من الحلي، حينها كان قد ضرب يديه في جيبيه فلم يجد من النقود سوى دراهم قليلة ومعدودة، لكن مارغريت أصرت على السؤال عن ثمن القطعة فأخبرها أنها تساوي ما يقارب أربعين جنية.

فردت أن مثل تلك القطع كانت قد صنعت من أجل الناس الأغنياء وهنا شاهد السجين الدموع في عيناها، حتى كاد أن يبكي لأجلها، وقام حينها بالعزم على المراهنة في سباق الخيل والذي كان به المكسب مضمون، لكن لسوء حظه كان قد كسر كل شيء، وهنا أول ما خطر بباله هو المال الموجود في خزينة المكان الذي يعمل به، وسرعان ما توجه إلى مكتبه وأخذ مبلغ لا بأس به من المال دون علم صاحب العمل، لكن سرعان ما تم اكتشاف ذلك الأمر والتبليغ عنه والقبض عليه من قِبل عناصر الشرطة.

وهنا أخذ الإحباط واليأس يسيطر على تفكيره فقد خسر كل شيء ويقضي جزء من عمره في مقاطعات السجن، فلم  يكون في عمله، ولكنه كان يبرهن لمارغريت على حبه، وفي النهاية لم يريد السجين أن يخلط في الحديث ويطول به فقد كان يرى أنّ الساعة قد اقتربت ولا فائدة من أن يطيل على القارئ بتفاصيل حبه وما ارتكبت ولا كيف خسر الحصان في السباق ولا كيف تم اكتشاف سرقته للمحل وكيفية القبض عليه ومحاكمته وودع حبيبته مارغريت وقال لها: كوني فخورة أمام عشيقك الجديد بأن هناك رجل قد أقدم على الانتحار من أجل حبك.


شارك المقالة: