قصة قصيدة “أتأكل ميراث الحتات ظلامة”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أتأكل ميراث الحتات ظلامة” فيروى بأنّه في يوم دخل الأحنف بن قيس والحتات بن يزيد المجاشعي على معاوية بن أبي سفيان، فأمر معاوية للأحنف بن قيس بأربعين ألف درهم، وأمر للحتات بن يزيد بعشرة آلاف درهم، ومن ثم خرج كلاهما من مجلسه، وكانا راضيان عمّا نالاه منه.
ومن بعدها توجه الأحنف بن قيس والحتات بن يزيد إلى العراق، وبينما هم في الطريق سأل الحتات الأحنف وقال له: لماذا أعطاك أمير المؤمنين أربعين ألف درهم في حين أعطاني عشرة آلاف فقط، فأخبره الأحنف بالسبب، فعاد الحتات إلى مجلس أمير المؤمنين، وعندما دخله قال له: يا أمير المؤمنين تعطي الأحنف أربعين ألف درهم، وتعطيني عشرة آلاف درهم، فقال له الخليفة: يا حتات، لقد اشتريت بهذه الأربعين ألفًا دين الأحنف، فقال له: إذن اشترِ ديني كما شريت دينه، فأمر له أمير المؤمنين بثلاثين ألف درهم، تمام الأربعين ألف.
ومن بعد أن خرج الحتات من مجلس أمير المؤمنين، بقي في دمشق بضعة أيام، ومات وهو هنالك، فقام الخليفة بردّ المال إلى بيت مال المسلمين، ووصل خبر هذا إلى الفرزدق، فتوجه إلى مجلس الخليفة، ودخل عليه، وقال له:
أتأكل ميراث الحتات ظلامة
وميراث حرب جامد لك ذائبه؟
ولو كان إذ كنا رقى الكف بسطة
لصمَّم عضب فيك ماضٍ مساربه
وقد رُمتَ أمرًا يا معاوي دونه
خياطف علوز صعاب مراتبه
وما كنت أعطي النصف عن غير قدرة
سواك ولو مالت عليَّ كتائبه
أنا ابن الجبال الشمِّ في عدد الحصى
وعرق الندى عرقي فمَنْ ذا يحاسبه
وكم من أب لي يا معاوي لم يزل
أغرَّ يُباري الريح ما ازورَّ جانبه
نمته فروع المالكين ولم يكن
أبوك الذي من عبد شمس يخاطبه
تراه كنصل السيف يهتزُّ للندى
جوادًا يلاقي المجد مذ طرَّ شاربه
أبوك وعمي يا معاوي أورثا
تراثًا فيحتاز التراث أقاربه
فلو كان هذا الدين في جاهلية
عرفت مَن المولى القليل حلائبه
ولو كان هذا الأمر في غير ملككم
لأبديته أو غصَّ بالماء شاربه
وكم من أب لي يا معاوي لم يكن
أبوك الذي من عبد شمس يقاربه