قصة قصيدة “تنصرت الأشراف من عار لطمة”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “تنصرت الأشراف من عار لطمة” فيروى بأنّ جبلة بن الأيهم عندما قرر أن يسلم، كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يعلمه بأنّه يريد الدخول في الإسلام، ويستأذن عمر القدوم إليه، وعندما قرأ أمير المؤمنين كتابه سر بذلك هو والمسلمون، وكتب إليه بأن يأتي إلى المدينة وله ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، وعندما وصل كتاب عمر إلى جبلة خرج من الشام ومعه خمسمائة فارس، واتجه نحو المدينة، وعندما اقترب منها، ألبس الفرسان ثيابًا منسوجة بالذهب والفضة، وقام بارتداء تاجه وقد كان فيه قرط مارية، وهي جدته، ودخل إلى المدينة، وعندما دخلها لم يبق أحد فيها إلّا وخرج ينظر إليه حتى النساء والأطفال، وسار فيها حتى وصل إلى عمر، فرحب عمر فيه وأجلسه، فأسلم عنده.
وعند موعد الحج، أراد جبلة بن الأيهم الخروج إلى الحج مع أمير المؤمنين، فخرج معه، وبينما كان يطوف بالكعبة، قام رجل من بني فزارة بالدعس على ثوبه من غير قصد، فنظر إليه جبلة وهو غاضب، وضربه فجرح أنفه، فاشتكاه الرجل الفزاري إلى عمر بن الخطاب، فبعث إليه أمير المؤمنين، وقال له: ما الذي دعاك إلى ضرب أخيك هذا فهشمت أنفه، فقال له جبلة: لقد دعس على ثوبي، ولولا أنّي في بيت الله الحرام، لضربته في عيناه، فقال له عمر: إنّك قد أقررت بأنّك ضربته، فإمّا أن ترضيه، أو أخذت بحقه منك، فقال له جبلة: أتاخذ بحقه مني؟، وأنا ملك وهو من عامة الناس، فقال له عمر: لقد جمعكما الإسلام، فقال جبلة: والله لقد كنت أرجو أن أكون في الإسلام أعز من ما كنت عليه في الجاهلية، فقال له عمر: دعك من هذا، إن لم ترضه، أخذت بحقه منك، فقال جبلة: إذًا أتنصر، فقال له عمر: إن تنصرت قتلتك، وكان قوم جبلة وقوم فزارة قد اجتمعوا حتى كادت أن تكون فتنة، فقال جبلة لعمر: أمهلني حتى الغد، فقال له عمر: لك ذلك.
وعندما أظلمت، خرج جبلة ومن معه من رجاله من مكة، واتجه نحو القسطنطينية عند هرقل، وعندما وصل تنصّر، وأقام هنالك، وقد سرّ هرقل بجبلة وأهداه الأرض والمال، وجعله من جلسائه ورجاله.
وعندما قام أمير المؤمنين ببعث رسولٍ إلى هرقل يدعوه فيه إلى الإسلام، فأجابه هرقل بأنّه سوف يتصالح مع المسلمين ولكن من دون أن يسلم، وقبل أن يكتب الإجابة إلى عمر، قال للرسول: هل لقيت ابن عمك الذي في بلدنا، فقال له الرسول: لا، لم ألقاه، فقال له هرقل: فلتلقاه وبعدها أعطيك الجواب لكتاب عمر، فذهب الرسول إلى بيت جبلة، ووجد على بابه حرس وخدم كما على باب هرقل، وقام بالاستئذان للدخول عليه، فأدخله، ووجد رجلًا أصهب الرأس، وكان عهده بجبلة بأنّه رجل أسمر أسود، فلم يعرفه، وكان جالسًا على سرير قوائمه من ذهب، وعندما عرفه جبلة أجلسه بجانبه، ورحب به، ولامه على عدم النزول عنده، وأخذ يسأله عن أهل المدينة، ومن ثم سأله عن عمر بن الخطاب، وقال له: كيف تركت عمر بن الخطاب؟، فقال له الرسول: بخير، فتغير لون وجهه لما ذكر عن سلامة أمير المؤمنين، ثم نزل الرسول عن السرير.
فقال له جبلة: لم ترفض الكرامة التي أكرمتك إياها؟، فقال له الرسول: إنّ رسول الله صل الله عليه وسلم قد نهانا عن ذلك، ومن ثم قال له: يا جبلة، ألا تعود إلى الإسلام، وقد عرفت فضله، فقال له جبلة: أبعد ما فعلت أعود إلى الإسلام؟، ثم أنشد قائلًا:
تنصرت الأشراف من عار لطمة
وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاج ونخوة
وبعت بها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني
رجعت إلى القول الذي قال لي عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة
وكنت أسير في ربيعة أو مضر
وياليت لي بالشام أدنى معيشة
أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
فقال له الرسول: لقد فعل رجل من بني فزارة أسوأ ممّا فعلت أنت بكثير، فقد ارتد عن الإسلام، وقتل المسلمين، ثم رجع إلى الإسلام، وهو الآن في المدينة مسلمًا، فقال له جبلة: دعني من ذلك، إن ضمنت لي أن أتزوج من ابنة عمر بن الخطاب، وأن يعطيني الإمارة من بعده، أسلمت، فقال له الرسول: أمّا الزواج من ابنته فقد ضمنتها لك، ولكنّي لا أضمن لك الإمارة، فقال له جبلة:لا.
وعندما رجع الرسول إلى المدينة، ذهب إلى عمر وحدثه بما حصل له، وقال له أنّه قد ضمن له أن يتزوج من ابنة عمر، ولم يضمن له الإمارة، فقال له أمير المؤمنين: ولم لم تضمن له الإمارة، فإن أراد الله كانت له، وإن لم يرد لم تكن، ثم قام عمر بن الخطاب بتجهيز الرسول للذهاب إلى قيصر، وأمره أن يضمن لجبلة الإمارة، وعندما وصل الرسول إلى القسطنطينية، وجد الناس منصرفين من جنازته.